باحثة أوروبية تحذر من تحول الأزمة السياسية في ليبيا إلى «وضع مستدام»
باحثة أوروبية تحذر من تحول الأزمة السياسية في ليبيا إلى «وضع مستدام»
القاهرة – بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الأحد 16 نوفمبر 2025, 04:15 مساء
استبعدت الباحثة الأوروبية، فيدريكا فاسانوتي، توصل الأطراف الليبية إلى توافق لحل الأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وقالت إن المنافسة الشديدة والصراع على السلطة التي تحكم العلاقة بين التشكيلات المسلحة، تلقي بظلال ثقيلة على احتمالات التوافق أو تحقيق الوحدة في أي وقت قريب.
وفي مقال نشره مركز «خدمات الاستخبارات الجيوسياسية»، ومقره إمارة ليختنشتاين الأوروبية، قالت فاسانوتي: «الانقسام الذي يخيم على المشهد السياسي في ليبيا أصبح أكبر ترسخا واستدامة»، ورأت أن «كل الأطراف في ليبيا لا تملك ما يكفي من القوة لتوحيد البلاد، لكنها تملك ما يكفي من القدرات العسكرية والمالية لعرقلة أي حل».
انقسام سياسي مستدام
لفتت الباحثة إلى الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة طرابلس، في سبتمبر الماضي، بسبب تعيينات المناصب الأمنية، وعدتها دليلا على مدى هشاشة الوضع الأمني والسياسي. وقالت: «سعي الدبيبة لتفكيك التشكيلات المسلحة غير الموالية لحكومته أدى إلى تعطيل اتفاقيات تقاسم السلطة، وأثار بالفعل مواجهات مسلحة في العاصمة».
– داخل العدد 521: حوار السلاح والقبائل يسبق «المهيكل».. وخطر يهدد أرواح الليبيين
– الملف الأمني في ليبيا.. شبح تطارده الحلول الأممية من اتفاق الصخيرات إلى «خريطة تيتيه»
وفي حين أشارت إلى المنافسة المستمرة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وقائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر «التي تقبع في قلب حالة الشلل السياسي»، رأت فاسانوتي أن «كلا الجانبين يملكان القوة الكافية لتوحيد البلاد بشكل كامل، لكنهما يملكان الغطاء العسكري والمالي الكافي لتقويض أي حل من شأنه تهديد سلطتهما».
هذا الوضع، بحسب المقال، أدى إلى حالة من الجمود، حيث لا يمكن لأي فصيل فرض هيمنته بشكل كامل، بينما يظل بإمكان كل طرف عرقلة أي تقدم صوب تحقيق السلام.
فخ التنافس على السلطة
قالت الباحثة: «انتهى تفويض حكومة الدبيبة بشكل رسمي منذ العام 2021، وبالكاد تتخطى حدود سلطتها التشكيلات المسلحة التي لا تزال تعترف بسلطتها، التي يشكل التنافس فيما بينها عائقًا كبيرًا أمام تحقيق أي شكل من أشكال المصالحة الوطنية، وتقع جهود المجتمع الدولي، سواء خرائط الطريق السياسية أو الوساطة الإقليمية، باستمرار في فخ هذا التنافس الصفري على السلطة».
كما أضافت: «الطبيعة غير المستقرة والمنقسمة للمشهد الأمني في ليبيا تعقد السباق على السلطة»، موضحة: «التشكيلات المسلحة هي صناع القرار الحقيقيون. وأبرزت الاشتباكات المسلحة في طرابلس هذا العام السرعة التي يمكن أن تنقلب بها التشكيلات المسلحة على بعضها البعض إذا تعرضت مصالحها إلى الخطر».
ولفتت فاسانوتي أيضا إلى جولات العنف التي شهدتها طرابلس، والتي تعد الأسوأ منذ سنوات، قائلة: «تلك الأحداث تُبرز مدى هشاشة النظام الأمني الذي تسيطر عليه التشكيلات المسلحة، التي انقسمت إلى أقطاعيات يسيطر كل منها على المنشآت النفطية والمطارات والموانئ، وتستغلها لتحقيق مكاسب مالية وسياسية».
النفوذ التركي
استعرض المقال أيضا حجم النفوذ الذي تتمتع به تركيا في ليبيا، التي وصفها بـ«القوى الخارجية الأكثر تأثيرا»، مع تطور دورها بشكل سريع، إذ استطاعت تأمين عقود مربحة للطاقة والبناء في المنطقة الغربية مقابل دعمها السخي للحكومة بين عامي 2019 – 2020.
ورأى أن مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بالعام 2019 ربطت بشكل وثيق بين حكومة طرابلس والرؤية الاستراتيجية لأنقرة، التي يُطلق عليها «الوطن الأزرق»، وهو تقارب أثار غضب اليونان وقبرص.
وأخيرا، بدأت أنقرة في توسيع نطاق تحالفاتها بليبيا مستغلة الانقسام المخيم على المشهد. وقالت الباحثة: «أقرت أنقرة بمحدودية اعتمادها على حكومة طرابلس فقط، لهذا بدأت في الاتصال مع الحكومة في الشرق. وأجرى دبلوماسيون ورجال أعمال أتراك زيارات عدة لبنغازي، والتقوا قائد قوات (القيادة العامة)، المشير خليفة حفتر».
وأضافت: «ليس الهدف التخلي عن طرابلس، بل كسب نفوذ على جانبي الصراع بين شرق البلاد وغربها، إذ تهدف تركيا إلى توسيع نطاق مذكرة التفاهم البحرية، وإضفاء الشرعية عليها».
تداعيات الوضع الليبي على أوروبا
في سياق متصل، انتقدت الباحثة الموقف الأوروبي، قائلة: «الاتحاد الأوروبي يغض الطرف عن الوضع، بينما تؤثر الفوضى في ليبيا مباشرة على مصالحه الاستراتيجية فيما يتصل بالهجرة وأمن الطاقة والنفوذ الإقليمي».
ويمثل الوضع في ليبيا تحديا خاصا بالنسبة إلى إيطاليا والاتحاد الأوروبي، لأنه يمزج بين التهديدات الأمنية والفرص الاستراتيجية، إذ أوضحت الباحثة أن «كل جولة من العنف المسلح في ليبيا أو انهيار للحوكمة يرفع احتمالات وصول تدفقات أكبر من المهاجرين إلى إيطاليا».
وتخشى روما أن يتيح انعدام الاستقرار المستمر في ليبيا للجماعات الإرهابية موطئ قدم جديدا، مما يعطل إنتاج البلاد الحيوي من النفط والغاز، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستثمارات شركة الطاقة الإيطالية «إيني». في المقابل، قد يُتيح استقرار ليبيا لإيطاليا فرصًا لتوطيد العلاقات التجارية، وتأمين واردات الطاقة، وتعزيز التعاون في مجال الهجرة من خلال اتفاقيات ثنائية متينة، بحسب المقال.
وبالنسبة إلى بروكسل، تشكل ليبيا مصدر قلق إنسانيا ونقطة ضعف استراتيجية على أعتاب الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم رسميا عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، لكن الانقسامات الداخلية غالبا ما تؤثر على النفوذ الأوروبي.
وتتمحور مخاوف الاتحاد الأوروبي حول عدد من القضايا الرئيسية، أبرزها الهجرة والأمن، «إذ قد تصبح ليبيا الخارجة عن القانون بؤرة للجريمة المنظمة والإرهاب، مما يشكل تهديدات مباشرة لأوروبا من خلال تهريب الأسلحة والاتجار في البشر وشبكات التطرف».
سيناريوهات الوضع في ليبيا
رسمت الباحثة عددا من السيناريوهات لما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في ليبيا، مستبعدة في السيناريو الأول تحقيق الوحدة الوطنية أو إجراء انتخابات وطنية في أي وقت قريب. وقالت: «السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تظل ليبيا غارقة في أزمتها، وأن تظل السلطة منقسمة بين الشرق والغرب، دون تحقيق تقدم حقيقي نحو الوحدة».
وأضافت: «قد يتمسك الدبيبة بمنصبه بينما يُحافظ حفتر وحلفاؤه على مؤسساتهم الموازية، وستستمر المجموعات المسلحة في الاشتباكات بين الحين والآخر، ولا سيما في المنطقة الغربية، حيث تشتعل الخصومات داخل معسكر طرابلس، وستواجه أي مبادرات سلام جديدة للأمم المتحدة تأخيرًا أو تقويضًا من قِبل مُفسدين محليين».
وتوقع السيناريو الثاني، وهو غير مرجح، أن يُسهم جهد دبلوماسي موحد، ربما تقوده تركيا، في رأب الصدع بين الغرب والشرق، للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة وتشكيل حكومة موقتة، مما يسمح بإجراء الانتخابات الوطنية التي طال انتظارها.
