الإمارات.. جهود دبلوماسية متعددة الأطراف لحل الأزمة السودانية
أبوظبي (الاتحاد)
من مجلس الأمن إلى «الرباعية الدولية»، تقود الإمارات جهوداً دبلوماسية مكثفة لإحلال السلام في السودان، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام، وتخفيف معاناة المدنيين.
وأشاد خبراء ومحللون بالدور المحوري والمؤثر الذي تلعبه الدبلوماسية الإماراتية، لمعالجة جذور الأزمة السودانية، مؤكدين أن الإمارات تقدم دعماً بارزاً للجهود الإقليمية والدولية الرامية لوقف إطلاق النار، وإرساء الأمن والاستقرار في السودان، مشددين على أن الدولة تتعامل مع الأزمة بوصفها تهديداً يمس استقرار المنطقة بأكملها.
وأوضح هؤلاء في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تمثل نموذجاً فاعلاً للدبلوماسية متعددة الأطراف في إدارة الأزمات الإقليمية، وذلك عبر اعتمادها على الحوار والشراكات الواسعة، وهو ما تجلى بوضوح في الجهود التي تقودها للمساهمة في إيجاد تسوية سياسية للأزمة.
وفي هذا السياق، قالت لانا بدفان، الباحثة في العلاقات الدولية: إن مقاربة الإمارات للأزمة السودانية لا يمكن قراءتها كتحرك دبلوماسي عابر أو مبادرة إسناد سياسي، لكنها مقاربة إدارة مخاطر وتوجيه نتائج في واحدة من أكثر المناطق حساسية في الأمن الإقليمي، وهي منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وأضافت بدفان في تصريح لـ«الاتحاد»: أن الإمارات تتعامل مع ملف السودان باعتباره نقطة ارتكاز في معادلة الاستقرار العربي والأفريقي، حيث تعمل على تفعيل ما تسميه بـ«الاستقرار الوظيفي»، وهو نموذج يذهب أبعد من وقف إطلاق النار، ليصل لإعادة استقرار البيئة السياسية.
وأشارت إلى أن الإمارات لا تكتفي بدور المنضم إلى المبادرات الدولية، بل تشارك في صياغة رؤية الحل ضمن إطار توافقي «عربي – غربي» لا يهدف إلى إنهاء الحرب فقط، بل تفكيك بنية عدم الاستقرار التي أنتجت الأزمة.
وأفادت بأن الدور الإنساني الإماراتي ليس عملاً خيرياً فقط، بل أداة استراتيجية لضبط التوازن الإقليمي ومنع انفجار موجات نزوح وفوضى يمكن أن تمتد من السودان إلى جواره.
في ذات الإطار، أوضح المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن الرؤية الإماراتية للأزمة تستند إلى مفهوم الأمن الإقليمي المشترك، حيث لا يمكن فصل استقرار السودان عن أمن البحر الأحمر والخليج، مما جعل الدولة تتعامل مع الأزمة بوصفها أزمة معقدة لا تُحل بمجرد اتفاق سياسي، بل تحتاج لبناء شراكة أوسع تضم أطرافاً عربية وأفريقية ودولية، لمعالجة جذور الأزمة.
وقال العجمي في تصريح لـ«الاتحاد»: أن الإمارات قدمت نموذجاً مغايراً للنهج التقليدي في الوساطة الإقليمية، فهي لا تسعى لفرض وصاية ولا إلى تقديم مبادرات، بل إلى دعم كل مسار يفتح الباب لحوار حقيقي بين الأطراف السودانية، وما يميز التحرك الإماراتي هو الحرص على عدم الإقصاء، وترك أبواب التفاوض مفتوحة.
من جهتها، أوضحت الناشطة السودانية، لنا مهدي، أن جميع الأطراف الإقليمية والدولية مطالبة بأن تحذو حذو الإمارات في المناداة بالسلام ووقف العنف ومنع استهداف المدنيين، مشيرة إلى أنه منذ اللحظة الأولى لاندلاع النزاع في السودان، دعت الدولة إلى الحل السلمي والسياسي، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، ووقف العنف ضد المدنيين بجميع أشكاله، لا سيما النساء والأطفال. وقالت مهدي في تصريح لـ«الاتحاد»: إن الإمارات عرضت في اجتماع بمجلس الأمن الدولي أواخر أكتوبر الماضي، خريطة طريق شاملة تضمنت محورين رئيسيين، أحدهما يتعلق بالتطورات في مدينة الفاشر، والآخر يخص الأزمة بشكل عام، بما يقود إلى سودان آمن لكل أفراد شعبه.
وشددت على أهمية الدعوات الإماراتية إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح ضد المدنيين، إضافة إلى دعوتها إلى التوصل لحل سياسي بقيادة أفريقية، وإنشاء آلية لمراقبة دخول جميع الأسلحة إلى السودان.
من جانبها، قالت الباحثة السياسية الأميركية في شؤون العلاقات الدولية، إيرينا تسوكرمان: إن المبادرات الدبلوماسية التي قادتها الإمارات لحل الأزمة السودانية، جاءت لتعزز مصداقية الدولة وتبرهن على التزامها بدعم السلام والاستقرار، سواء عبر التحركات السياسية أو الدبلوماسية أو الإنسانية.
وأضافت تسوكرمان في تصريح لـ«الاتحاد»: أن تحركات الإمارات تدحض أي مزاعم تبين بعد إخضاعها للفحص القانوني أنها تفتقر إلى أي أدلة حقيقية، مثلما حدث عندما رفعت «سلطة بورتسودان» دعوى ضد الدولة أمام محكمة العدل الدولية، مشيرة إلى أن الإمارات تعاملت مع هذه الخطوة بهدوء واتزان يعكسان خبرتها القانونية والدبلوماسية، وقبلت إجراءات المحكمة الدولية لتؤكد احترامها لسيادة القانون، ولتظهر أن الاتهامات الموجهة ضدها لا تستند إلى أي أساس، وهو ما ثبت بالفعل بعد رفض الدعوى.
بدوره، دعا القيادي في حزب المؤتمر السوداني، أيمن عثمان، إلى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية على مصالح الأشخاص والجماعات، مشيراً إلى أن عناصر ورموز جماعة «الإخوان» يحاولون تسويق أنفسهم كحماة للدولة، رغم أنهم هم من زرعوا بذور الفتنة، وحولوا البلاد إلى ساحة نزاع قبلي. وأوضح عثمان في تصريح لـ«الاتحاد»، أن إدانة هذا النهج لا يجب أن تقتصر على الداخل السوداني، بل ينبغي أن تكون قضية إقليمية ودولية، مشيراً إلى أن الطريق نحو السلام يبدأ بكشف الجرائم والانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، لا بمحاولة تحميل الآخرين مسؤولية الانهيار الذي خطط له ونفذه «الكيزان».
وأكد أن التقارير الأممية لا تدحض فقط الأكاذيب الموجهة ضد الإمارات، بل تعكس التزامها الراسخ بالقانون الدولي وحرصها على الاستقرار الإقليمي، مما يعزز مصداقيتها المعهودة باعتبارها دولة تعمل في العلن ولا تتآمر في الخفاء، خلافاً لما تروجه الأبواق «الإخوانية» التي تنشر الأكاذيب والادعاءات.
وقال الخبير في الشؤون الأمنية، ياسر أبوعمار: إن المقاربة الإماراتية تتجاوز البعد السياسي إلى رؤية أمنية أوسع ترتبط باستقرار المنطقة الحيوية الممتدة من الخليج إلى القرن الأفريقي.
وأضاف أبو عمار في تصريح لـ«الاتحاد»: أن الإمارات اعتمدت ما يمكن تسميته بـ«الدبلوماسية الوقائية»، من خلال الجمع بين تقديم الدعم الإنساني، والضغط الدولي من أجل وقف القتال، والتنسيق الأمني مع الأطراف الإقليمية المعنية، بهدف منع توسع المواجهات. وشدد على أن الإمارات لا تسعى إلى فرض حلول جاهزة على الأطراف السودانية، بل تعمل على خلق بيئة تفاوضية تستعيد فيها الثقة تدريجياً بين المتفاوضين، وهو ما يفسر اتساع اتصالاتها الدبلوماسية مع عواصم عربية وأفريقية وأوروبية خلال الأشهر الماضية، مشيراً إلى أن أي حل مستدام يجب أن يضمن استعادة مؤسسات الدولة السودانية لدورها، بما يؤدي إلى تثبيت السلام ومنع تجدد النزاعات مستقبلاً.
