النزاعات المسلحة تغير خريطة الوفيات والأمراض في ليبيا
دراسة: النزاعات المسلحة تغير خريطة الوفيات والأمراض في ليبيا
القاهرة – بوابة الوسط: هاني زايد الجمعة 14 نوفمبر 2025, 02:43 مساء
شهدت ليبيا على مدار السنوات الماضية اضطرابات ونزاعات مسلحة أثرت بشكل مباشر على الحياة اليومية لسكانها وعلى البنية التحتية الصحية.
وبحسب دراسة حديثة نشرتها مجلة «فرونتيرز» العلمية 7 نوفمبر الجاري، فإن «النزاعات المسلحة لم تؤثر فقط على الوضع الأمني والسياسي في ليبيا، بل كان لها تأثير واضح على الصحة العامة الليبية، من خلال انتشار الأمراض وتزايد حالات التزامن بينها في مناطق محددة، ما يعكس تحديات كبيرة أمام جهود الصحة العامة والوقاية من الأمراض».
كشفت الدراسة، التي استهدفت الفترة من 2011 وحتى العام 2021، عن «زيادة المخاطر الصحية في ليبيا خلال فترة الصراعات المسلحة، مع تسجيل تزامن الإصابة بأمراض متعددة مثل السل و«كوفيد-19»، وفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الفيروسي، إضافة إلى ارتفاع معدلات الوفيات والمراضة في مناطق محددة».
وحدد الباحثون النمط الجغرافي للمراضة والوفيات المترتبة على الصراع المسلح الليبي خلال الفترة من 2011 إلى 2021؛ حيث جرى تسجيل إجمالي 16 ألف و126 حالة وفاة و42 ألف و633 إصابة، بحسب «فرونتيرز».
الصراعات المسلحة
تقول الدراسة: إن «الصراعات المسلحة تُعد سببا رئيسيا للوفاة في جميع أنحاء العالم؛ وفي القرن العشرين وحده، تعرض 62 ألف مدني للموت بسبب الحروب، بالإضافة إلى مقتل 45 ألف مقاتل؛ وتستمر عواقب هذه الصراعات لفترات طويلة، خصوصا في المنطقة العربية التي تُعد أكثر عرضة لهذه النزاعات».
تضيف: «منذ العام 2011، أدى الصراع المسلح في ليبيا إلى أكثر من 60 ألف حالة وفاة وأكثر من 135 ألف جريح».
المراضة
و«جرى تسجيل 16 ألف و126 حالة وفاة و42 ألف و633 إصابة بين الليبيين خلال الفترة من العام 2012 وحتى 2017، لأسباب تتعلق بالمراضة»، بحسب الدراسة التي قادها الباحث الليبي المتخصص في علم الأوبئة الميكروبية والسريرية محمد علي داو.
ويشير مصطلح المراضة إلى تزايد الأمراض بين السكان، مع صعوبة السيطرة عليها، وتعرف أيضا بـ«وجود واحد أو أكثر من الاضطرابات أو الأمراض التي تتشارك مع مرض رئيسي، وهو ما يُعرف باسم المراضة المشتركة.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن النزاع المسلح في ليبيا ليس مجرد أزمة سياسية وأمنية، بل يمثل أزمة صحية متكاملة تؤثر على حياة السكان بشكل مباشر، موضحة أن «الأمراض المعدية والمزمنة لا تنتشر بشكل عشوائي، بل تتأثر بالعوامل الجغرافية والاجتماعية المرتبطة بالنزاع، ما يجعل التحليل الدقيق والمخطط الصحي الموجه أمرا حيويا للحفاظ على صحة السكان والحد من الوفيات».
أضافت أن «فهم العلاقة بين النزاعات الليبية وتفشي الأمراض يوفر فرصة حقيقية لتقليل المعاناة، وتحسين استجابة النظام الصحي الليبي، ويبرز ضرورة الاهتمام بالصحة العامة كجزء لا يتجزأ من أي جهود لحل النزاع وبناء الاستقرار في البلاد».
تأثير النزاع على الصحة العامة
أكدت نتائج الدراسة أن النزاعات المسلحة تزيد من التعرض للأمراض، خصوصًا الأمراض المعدية والمزمنة؛ فمع تراجع خدمات الرعاية الصحية في مناطق الصراع، أصبح السكان أكثر عرضة للإصابة بالسل وكوفيد-19، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والتهاب الكبد الفيروسي.
وتشير الدراسة إلى أن النزاع يعقد جهود مكافحة الأمراض، حيث تساهم الهجرة الداخلية والنزوح القسري والنقص في الموارد الطبية في انتشار الأمراض وتزامنها، بالإضافة إلى تدهور نظم الرصد الصحي، في جعل تقدير حجم الأوبئة أكثر صعوبة.
الأنماط الجغرافية للأمراض المتزامنة
أظهرت الدراسة أن هناك تفاوتًا واضحًا في انتشار الأمراض بين مناطق ليبيا المختلفة؛ فعلى سبيل المثال، سجلت مناطق الجنوب، وطرابلس، وبنغازي أعلى معدلات تزامن بين الإصابة بمرضي السل وكوفيد-19، ما يعكس زيادة المخاطر الصحية في هذه المناطق نتيجة ظروف النزاع وازدحام المرافق الصحية.
– اشتباكات مسلحة في مدينة مصراتة
– مجلة «شمال أفريقيا» تحذر من تجدد النزاع في ليبيا: الوضع الأمني هش ويتسم بالعنف المفاجئ
– – البعثة الأممية تدعو إلى وقف النار في طرابلس وحل الخلافات بـ«الوسائل السلمية»
وفي الوقت نفسه، كانت المناطق الغربية والجبلية والجنوب الشرقي أقل تضررا، ما يشير إلى تفاوت في تعرض السكان للأمراض نتيجة الاختلافات الجغرافية والديموغرافية، إضافة إلى قدرة بعض المناطق على الحفاظ على خدمات صحية نسبية حتى في ظل النزاع، وفق «فرونتيرز».
تزامن الإصابة بالأمراض
كشفت نتائج الدراسة أن تزامن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الفيروسي كان واسع الانتشار في ليبيا خلال الصراعات المسلحة، لكنه تركز أكثر في مناطق الجبال الغربية ومدينة الزاوية، تليها الجفرة وغات، ثم بنغازي ودرنة شرقًا.
ويعكس هذا التوزيع أثر النزاع على الحركة البشرية وتدهور خدمات الوقاية والعلاج، ما يسهم في انتشار الأمراض المعدية المزمنة، بحسب الدراسة.
الوفيات والمراضة
جرى تسجيل أعلى مستويات «المراضة» في المنطقة الشرقية، لا سيما في بنغازي ودرنة والجبل الأخضر وأجدابيا، تلتها بلديات المنطقة الوسطى بما في ذلك مصراتة وسرت وبني وليد وترهونة؛ بينما كانت أقل كثافة في البلديات الغربية والجنوبية.
أما أنماط الوفيات فقد اختلفت جغرافيًا من منطقة إلى أخرى، فكانت أقل كثافة في المنطقة الجنوبية، بينما كانت أكثر كثافة في المنطقة الشرقية، وإلى حد أقل في المنطقة الغربية.
وجاءت أعلى معدلات الوفاة في بنغازي ودرنة وسرت وبني وليد ومصراتة. وعند دمج هذين المؤشرين جغرافيًا، يظهر نمط جغرافي واضح ومتزامن للمراضة والوفيات. وكانت أعلى كثافة لهذين النمطين المتزامنين في بنغازي ودرنة وأجدابيا بالمنطقة الشرقية، وفي سرت ومصراتة وبني وليد بالمنطقة الغربية، وبدرجة أقل في الزاوية والشاطئ.
النزاع وتفشي الأمراض
تشير الدراسة إلى أن الصراع المسلح في ليببيا خلق بيئة خصبة لانتشار الأمراض، من خلال عدة عوامل أساسية، أهمها تدمير البنية التحتية الصحية؛ حيث تعرضت كثير المستشفيات والمراكز الصحية للتدمير أو أُغلقت، ما أدى إلى توقف الخدمات الطبية الأساسية.
كما أدى الصراع المسلح أيضا إلى تزايد النزوح والتهجير القسير للسكان، ما ساهم في انتشار الأمراض بين مناطق مختلفة، وزاد من صعوبة السيطرة على الأوبئة؛ إضافة إلى شح الأدوية والمعدات الطبية والتي زادت من صعوبة علاج الأمراض، وصعدت من احتمالية انتشارها.
وأدى الصراع المسلح إلى ضعف نظم الرصد الصحي في ليبيا من خلال تعطيل مهام جمع البيانات وتحليلها، مما جعل من الصعب على الجهات الصحية الاستجابة بسرعة للأزمات.
أهمية التحليل الجغرافي
تؤكد الدراسة أهمية استخدام التحليل الجغرافي لفهم الأنماط التآزرية للأمراض خلال الصراعات المسلحة من خلال رسم خرائط لتوزيع الأمراض والوفيات، بحيث يمكن توجيه الموارد الصحية بشكل أفضل إلى المناطق الأكثر تضررًا، وتحسين خطط الوقاية والتدخل الطبي العاجل.
ويشير الباحثون إلى أن هذه الخرائط تساعد في تحديد «نقاط الخطر»، أي المناطق التي تشهد تزامنًا مرتفعًا بين الأمراض، لتقديم الدعم الطبي بشكل استباقي وتقليل معدل الوفيات.
تحديات المستقبل
رغم أهمية هذه الدراسة، تواجه ليبيا تحديات كبيرة في تطبيق نتائجها على أرض الواقع في ظل استمرار الصراع أو توتر الوضع الأمني والذي يعيق إيصال المساعدات الطبية ويؤدي إلى تفاقم انتشار الأمراض، فضلا عن ضعف التمويل وعدم وجود استراتيجيات متكاملة للصحة العامة، ما يزيد من صعوبة معالجة الوضع الصحي في البلاد.
توصيات
ويوصي الباحثون بضرورة الاستجابة المبكرة والتركيز على التدخل المبكر في المناطق المعرضة للخطر لتقليل انتشار الأمراض، وتعزيز نظم الرصد الصحي من خلال تطوير نظم فعالة لجمع البيانات وتحليلها حتى في ظل الصراع المسلح، لضمان القدرة على اتخاذ القرارات السريعة.
كا يؤكد الباحثون أهمية تعاون المؤسسات الليبية -الطبية والاقتصادية والأمنية والسياسية- مع المنظمات الدولية لتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية في المناطق التي تعاني نقصا شديدا.
لغة الأرقام
بلغة الأرقام، تظهر نتائج الدراسة أن أعلى معدلات الوفيات والمراضة سجلت في بنغازي (عدد الوفيات 3040 مقابل 7478 إصابة)، ودرنة (1651 وفاة مقابل 4243 إصابة)، وأجدابيا (1090 وفاة مقابل 3123 إصابة)، بينما سجلت سرت (780 وفاة مقابل 1857 إصابة)، ومصراتة (1220 وفاة مقابل 3410 إصابة)، وبني وليد (610 وفاة مقابل 1540 إصابة؛ وكانت الزاوية (590 وفاة مقابل 1480 إصابة)، والشاطىء (585 وفاة مقابل 1403 إصابة) من المناطق الأقل تأثرا.
وتوضح تلك الأرقام أن المدن الشرقية (بنغازي، درنة، أجدابيا) سجلت أعلى معدلات وفيات وإصابات، مما يشير إلى أثر الصراعات المسلحة المباشر على صحة السكان، وأن انتشار الأمراض المعدية (مثل فيروس التهاب الكبد سي وكوفيد 19 لاحقًا كان مرتبطا بشدة بالمناطق التي شهدت كثافة قتالية أعلى، وأن ضعف البنية التحتية الصحية خلال الصراعات المسلحة أدى إلى زيادة المراضة.
