حوار السلاح والقبائل يسبق حوار تيتيه «المهيكل»
جريدة «الوسط»: حوار السلاح والقبائل يسبق حوار تيتيه «المهيكل»
القاهرة – بوابة الوسط الجمعة 14 نوفمبر 2025, 08:52 صباحا
فيما تستمر حالة الانسداد السياسي في ليبيا، يسعى طرفا الأزمة في غرب البلاد وشرقها إلى تأسيس قاعدة شعبية تستحضر فيها القبيلة بما يتيح المجال لتمديد التموضع في خانة الشرعية، ما أجج تنافساً جهوياً طال مناطق محسوبة على أنصار النظام السابق وأخرى على حكومة الوحدة الموقتة.
وتنشغل الأطراف الليبية المتنازعة برسم معادلة نفوذ جديدة في مشهد بات متكرراً خلال الأسابيع الأخيرة بانفتاح شخصيات من قبائل الشرق والجنوب والوسط وحتى من غرب البلاد على «الرجمة» حيث مقر قيادة المشير خليفة حفتر، الذي شهد زيارات متتالية لوفود قبلية يقول أنصارها إنها تستهدف إنقاذ ليبيا من شبح التدخلات الخارجية والفوضى السياسية التي عطّلت مسار بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، مع توجيه رسائل انتقاد إلى أداء البعثة الأممية في إيجاد حل سياسي عاجل.
حفتر: ليبيا بحاجة إلى تغيير جذري لضمان الأمن والاستقرار
وخلال لقاءاته ممثلي تلك القبائل قال حفتر «إن ليبيا بحاجة إلى تغيير جذري في المشهد السياسي لضمان الأمن والاستقرار ووحدة الوطن»، داعياً المواطنين إلى «تولي زمام الأمور بأنفسهم عبر حراك سلمي منظم يعبر عن إرادتهم في بناء الدولة وتقرير مصيرهم».
لكن لقاءات «الرجمة» لم تنج من تداعيات الأزمة القائمة بعد اتهامات وجهت إلى جهات بعينها في غرب البلاد باعتقال بعض ممن شاركوا في هذه اللقاءات، وهو ما دعا رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب أسامة حماد إلى استنكار ما حدث، وتحديداً ما يتعلق بالمشاركين القادمين من مدينة ترهونة، ووجه حماد اتهاماته إلى حكومة عبدالحميد الدبيبة، باعتبار أن الجهة التي قامت بهذا الفعل «اللواء 444» تقع تحت مسؤولية هذه الحكومة.
توتر عقب إعلان وفاة رئيس القوات الخاصة في طرابلس
وليس بعيداً عن هذه الأجواء، شهد غرب البلاد توتراً أمنياً جديداً على خلفية إعلان وفاة رئيس القوات الخاصة في طرابلس العميد محمد عبدالله الصداعي، الأربعاء، متأثراً بجراحه إثر تعرضه لإطلاق نار داخل قاعدة معيتيقة العسكرية في العاصمة طرابلس، ونفى جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، الذي يتخذ من هذه القاعدة مقراً له، أي علاقة له بالحادثة، موضحاً أن المتهم في الواقعة هو عسكري يتبع القوات الخاصة، وقد جرى إيقافه بأمر من النيابة العسكرية لاستكمال التحقيقات.
قبل ذلك كان ميناء زوارة البحري قد تعرض لقصف من الجو يعتقد حتى الآن أنه جرى بواسطة طائرات مسيّرة تابعة لوزارة الدفاع في حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» بمبرر مكافحة عمليات تهريب مهاجرين غير نظاميين عبر البحر، ما أثار تنديداً واسعاً من قبل أوساط عديدة في مدينة زوارة، دون الإفصاح عما نجم عن القصف من خسائر بشرية أو مادية.
ولا يستبعد مراقبون ربط هذه العملية بمحاولة إبراز دور حكومة الدبيبة في مكافحة الاتجار بالبشر، تزامناً مع انعقاد اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف؛ حيث تبنت هذه الحكومة إجراءات لمكافحة ظاهرة الهجرة «إنسانياً»، واكبها الإعلان عن اعتقال الرئيس السابق للشرطة القضائية الليبية أسامة نجيم المصري، الأسبوع الماضي، والمطلوب من محكمة الجنايات الدولية لمسؤوليته عن جرائم يتعلق بعضها بضحايا من المهاجرين.
البعثة الأممية تفتح استطلاعا إلكترونيا
أما على المستوى السياسي، فما زالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تنتقل من مبادرة إلى أخرى بحثاً عما يمكن تسميته بـ«وصفة سحرية» لحل الأزمة المتشعبة في البلاد، وآخر ذلك هو الإعلان عن مسلك جديد نحو ما أطلقت عليه رئيسة البعثة هانا تيتيه «الحوار المهيكل»، ويهدف إلى إشراك الليبيين في مناقشة القضايا الوطنية الأساسية وتوسيع قاعدة المشاركة في رسم ملامح المستقبل السياسي للبلاد.
– للاطلاع على العدد «521» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وعمدت البعثة في هذا السياق إلى فتح استطلاع إلكتروني متاح حتى 22 نوفمبر الجاري لجمع آراء الليبيين وتحليلها، تمهيداً لإدراجها ضمن تقرير شامل يُعرض على طاولة الحوار المهيكل، بهدف تعزيز محتوى النقاش وصياغة برنامج عمل يعكس أولويات المواطنين.
ووعدت تيتيه بـ«إشراك جميع الأصوات داخل ليبيا وخارجها حيث يمثل خطوة جوهرية نحو بناء توافق وطني حقيقي»، وقالت إن الحوار يجب أن يتناول القضايا الواقعية التي تمس حياة الليبيين اليومية وتطلعاتهم لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
كما التقت تيتيه، برفقة نائبتها للشؤون السياسية ستيفاني خوري، وفداً من شخصيات قيادية من أنصار نظام العقيد معمر القذافي، في إطار ما تسميه البعثة جهوداً للتواصل مع شرائح أوسع من المجتمع الليبي بشأن خريطة الطريق السياسية.
كانت الأوساط الليبية انشغلت بتصريحات منسوبة لعضو مجلس النواب جلال الشهويدي؛ حيث اعترف خلال رئاسته لجنة «6+6» عن البرلمان بمحاولة إقصاء سيف الإسلام من سباق الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في نهاية 2021، مرجعاً السبب إلى تناقض نجل القذافي في السعي للترشح في نظام ديمقراطي كان يراه والده تدجيلاً.
اتفاق مصري تركي على دعم جهود الحل الليبي الليبي
وفي الاتجاه نفسه زارت تيتيه القاهرة؛ حيث التقت وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي قبيل اجتماعه بنظيره التركي هاكان فيدان، الأربعاء، وقال عبدالعاطي خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة أنقرة، إنه «جرى بحث الأزمة الليبية، والتأكيد على أهمية دعم الجهود لتعزيز الحل الليبي الليبي واحترام دور المؤسسات الوطنية الليبية».
ولفت الوزير المصري إلى أن بلاده تتطلع إلى «سرعة إنهاء الانقسام الحالي وكذلك سرعة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا بشكل متزامن وضمان خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد بما يضمن وحدة ليبيا وسيادتها». ومن جانبه أكد فيدان أن تركيا تولي أهمية كبيرة لتحقيق استقرار دائم في ليبيا، وتواصل دعم الخطوات التي تُتخذ بقيادة ورعاية الليبيين، مشيراً إلى استمرار الجهود المشتركة الرامية إلى دفع العملية الجارية تحت مظلة الأمم المتحدة في ليبيا في المرحلة المقبلة.
في الأثناء، لا يزال فريق كبير من عامة الليبيين غير متفائل بالتوصل قريباً إلى اختراق كبير على المستويين المحلي والدولي في محاولات حلحلة الأزمة التي يدفعون ثمنها معاناة يومية، ليس أقلها طوابير البحث عن السيولة المالية أمام أبواب المصارف، مع الارتفاع المبالغ فيه لأسعار المواد الغذائية، والأدوية، وتخبط العملية التعليمية التي فاقمتها قضية تأخر وصول الكتب المدرسية وما فجرته من قضية فساد، في انتظار حوار البعثة «المهيكل» إن كان يحمل جديداً مهماً للدفع بالأزمة إلى زاوية الانفراج.
