بعد مرور 5 سنوات.. لماذا فشلت «5+5» في ملف المرتزقة والقوات الأجنبية بليبيا؟
بعد مرور 5 سنوات.. لماذا فشلت «5+5» في ملف المرتزقة والقوات الأجنبية بليبيا؟
القاهرة – بوابة الوسط: محمد ناصف الجمعة 07 نوفمبر 2025, 12:32 مساء
عاد ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا إلى الواجهة مجددا بعدما تمسكت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» بإخراجهم في الذكرى الخامسة لاتفاق وقف إطلاق النار، ما أثار تساؤلات حول قدرة اللجنة على تنفيذ تعهداتها في ظل وضع متأزم داخليًا ومصالح متشابكة خارجيًا.
فقد مضى 5 سنوات على تأسيس اللجنة «5+5» عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر 2020، نجحت خلالها في منع اندلاع الحرب، وهي أطول فترة استقرار نسبي منذ العام 2011، لكنها لم تنجح في تحقيق الاستقرار والسلم بتوحيد المؤسسة العسكرية ووضع خطة عملية لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
ومنذ العام 2022 بدى أن مسار عمل اللجنة يتباطأ مع تصاعد الانقسام السياسي من جديد بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب، ليبقي ملف المرتزقة هو العقبة الأكبر أمام اللجنة، إذ يوجد في ليبيا 20 ألف مقاتل ومرتزق حسب تقديرات أممية، منهم ستة آلاف سوري وعشرة آلاف سوداني إضافة إلى مقاتلين أتراك وروس يتوزعون على عشر قواعد عسكرية بطول البلاد وعرضها، فضلا عن قوات أجنبية وعناصر من شركات أمنية دولية تحتفظ بوجودها في مواقع استراتيجية، بعضها قرب حقول النفط ومحاور القتال السابقة.
تيتيه: المرتزقة الأجانب موجودون في الشرق والغرب
وفي أغسطس الماضي وصفت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه وجود المرتزقة بأنه «من أكبر العقبات أمام اختراق الجمود السياسي الراهن في ليبيا»، وقالت «المرتزقة الأجانب موجودون في الشرق والغرب، وهذا ليس بجديد»، مضيفةً أن «اتصالات جارية مع دول الجوار، مثل تشاد، والمنظمات الدولية لتسهيل عودتهم إلى بلدانهم الأصلية»، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيطالية «نوفا».
وأشارت تيتيه إلى أن «بعض هؤلاء المرتزقة يغادرون البلاد طواعيةً، بينما تبدي مجموعات أخرى مقاومة أكبر»، موضحةً أنه «على الرغم من أن الوضع لا يزال مُعقدًا، فإن البعثة الأممية تعتقد أن هناك فرصة سانحة لمعالجة مشكلة المرتزقة الأجانب وحلها». وأضافت أن «المناقشات جارية مع القيادة السياسية والجهات الأمنية الليبية، من الشرق والغرب، لمعالجة هذه القضية التي تؤثر على مستوى استقرار البلاد».
اتهامات متبادلة والتعثر مستمر
وفي الداخل تواجه اللجنة انتقادات من الشارع الليبي، ومن شخصيات عسكرية وسياسية ترى أن أداءها تراجع، وأنها أصبحت رهينة الخلافات بين الحكومتين، بل ويتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المسؤولية عن هذا الملف المتعثر.
ونالت لجنة «5+5» حصة من شظايا الاتهامات المتناثرة، إذ طالت هيكلتها واعتماد المحاصصة كأساس لتشكيلها انتقادات حادة من محللين رأوا أن اللجنة حملت في طياتها بذور فشلها منذ اللحظة الأولى، في المقابل ذهب آخرون إلى أن معضلة المرتزقة في ليبيا أكثر تعقيدًا، وأن أي تحرك لحلها محفوف بعقبات الانقسام الداخلي وتشابك مصالح الأطراف الدولية المتداخلة في البلاد.
وبالنظر إلى خريطة انتشار المرتزقة وعددهم وجنسياتهم، يلحظ الخبير العسكري العميد عادل عبدالكافي تأثيرات سلبية لدور إقليمي ودولي صعب من حل أزمة المقاتلين الأجانب في ليبيا، خاصة عندما نتحدث عن «مرتزقة مرتبطين بروسيا ومقاتلين أجانب مرتبطين بتركيا»، لكنه في الوقت ذاته انتقد هيكلية لجنة «5+5».
وقال عبدالكافي في حديثه إلى «بوابة الوسط»، إن اللجنة تأسست على «هيكلية خاطئة»، وأن «المحاصصة تسببت في فشل عملها». وتمخضت لجنة «5+5» عن اتفاق وقف إطلاق النار، وتتكون من خمسة أعضاء تابعين لقوات «القيادة العامة»، ومثلهم تابعين لقوات حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة».
ويرى الخبير العسكري أن اللجنة لم «تمتلك رؤية حقيقية لذلك لم تحقق أيًا من أهدافها» سواء كان إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، أو تسليم خريطة الألغام جنوب طرابلس وبين سرت وقاعدة الجفرة، حتى أن «فتح الطريق بين الشرق والغرب كان بمجهودات شخصيات سياسية واجتماعية وقوة عملية سرت التابعة لمدينة مصراتة التي بادرت بفتح الطريق ورفع الحواجز».
أطراف مستفيدة من استمرار بقاء المرتزقة؟
وعاب عبدالكافي على اللجنة امتناعها عن إدانة «احتلال مرتزقة فاغنر سابقًا الفيلق الروسي الأفريقي حاليًا للقواعد العسكرية الاستراتيجية داخل الأراضي الليبية»، فضلًا عن «فشلها في منع تدفق الأسلحة من المنطقة الشرقية ووصولها إلى معسكر الرجمة، وتنقل عناصر الدعم السريع ومعالجتهم داخل ليبيا، وخروج شحنات الوقود من بنغازي إلى السودان».
في المقابل، يرى المحلل العسكري محمد الترهوني أن هناك أطرافًا مستفيدة من بقاء المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا، ويقول لـ«بوابة الوسط»: «حكومة الوحدة تحتاج إلى المرتزقة السوريين والأتراك سواء في قاعدة الخمس والوطية أو مصراتة، وهي تستخدمهم في إزالة خصومها السياسيين، وتسعى لإضفاء المشروعية على وجودهم».
قراءة جديدة في اتفاق قديم
وبين هذا وذاك يقدم الخبير في الشؤون الليبية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة جلال حرشاوي قراءة مغايرة لاتفاق وقف إطلاق النار يقلل خلاله من دور اللجنة العسكرية المشتركة ويُعلي من الدوري إذ لا يراه نجاحًا أمميًا في إقناع الطرفين المتنازعين للجلوس على طاولة المفاوضات، بعد فشل حملة قوات «القيادة العامة» بقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في 2019.
ويذهب حرشاوي في تصريح إلى «بوابة الوسط»، إلى القول بأن الهدوء الذي شهدته البلاد منذ أوائل يونيو 2020، نبع من «اتفاق ضمني بين تركيا وروسيا، قبلته الولايات المتحدة ومصر والإمارات»، موضحًا أن هذا «الهدوء قام على توازن القوة العسكرية، وليس على المصالحة بين الفصائل الليبية».
ويضيف: «لم تتخل عائلة حفتر قط عن فكرة السيطرة على العاصمة الليبية في يوم من الأيام إذا أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك، كما لم تتخلِ مصراتة قط عن فكرة غزو الهلال النفطي إذا سنحت لها الفرصة للاستيلاء عليه بالقوة».
ويشير إلى أن «تركيا تحتفظ بترتيب عسكري كبير في شمال غرب ليبيا، وبالمثل تحتفظ روسيا بترتيب عسكري كبير في شرق ليبيا وجنوبها الغربي ووسطها، بما في ذلك في الجفرة. وأن الموارد العسكرية لهذه الدول الأجنبية توفر الأساس ذاته لهدوء ليبيا».
– ماذا جاء في قرار مجلس الأمن لتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا؟
– ما حقيقة تسلل «ذئاب الصحراء» من ليبيا وتشاد؟.. الإمارات والسودان يتبادلان اتهامات محورها «المرتزقة»
– خبراء لـ«قناة الوسط»: تنفيذ «خريطة تيتيه» يتطلب اتفاقات تُنهي وجود المجموعات المسلحة والمرتزقة
– «مصباح دومة»: نرفض استمرار الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا
وبناء على كل هذه المعطيات، يرى حرشاوي أن «أي طرف لن يضعف نفسه عسكريا من أجل السلام. ستستمر تركيا في الاحتفاظ بضباطها العسكريين والمرتزقة السوريين في شمال غرب ليبيا، فيما لن يتقلص الوجود الروسي».
ولا يعتقد الخبير بالشؤون الليبية بإمكان تغير الوضع القائم بخصوص المرتزقة «في أي وقت قريب»، ويقول: «لا توجد آلية دبلوماسية أو ثقة سياسية بين الجانبين الليبيين للسماح بأي تخفيضات في الوجود العسكري الأجنبي».
تحرك أميركي في ليبيا على غرار الصومال
ويضيف حرشاوي إلى القضية بعدًا آخر إذ يرى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمارس «ضغطًا محدودًا جدًا» على روسيا في أي مكان في العالم، إذ إن «ترامب غير مستعد لفرض ضغط جديٍ على روسيا، ليس في أوكرانيا فحسب، بل عبر باقي الساحات أيضاً. عمليًا، هذا يعني أن احتمال أن تقلّص روسيا تموضعها العسكري الراسخ في ليبيا بين الآن ويناير 2029 شبه معدوم».
وعلى صعيد آخر، تسعى تركيا، حسب حرشاوي، إلى «تعزيز وجودها في جنوب غرب ليبيا وكذلك في شرق ليبيا. وبالتالي، فمن غير المرجح أن تقلّص أنقرة عدد المرتزقة السوريين الذين لديها في منطقة طرابلس الكبرى وكذلك في منطقة مصراتة. في حين قد نشهد خفضًا طفيفًا في أعداد المرتزقة السوريين، لكنه سيكون محدودًا جدًا».
لكن في المقابل يرصد عبدالكافي تحولًا قد يطرأ على معادلة الهدوء هذه، مشيرًا في هذا السياق إلى مساعٍ أميركية لإنشاء لواء عسكري في ليبيا على غرار «لواء الدنب» في الصومال الذي أُنشأ بقيادة القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم»، لتكون مهمته مراقبة الحدود الجنوبية لـ«تقليم أضافر مرتزقة الفيلق الروسي».
ويقول إن «المرتزقة الروس باتوا يمثلون تهديدًا لأميركا سواء في شمال أفريقيا وتحديدًا في ليبيا أو دول الساحل والصحراء أو في السودان»، ويضيف: «هناك مصالح للغرب أصبحت روسيا تهددها في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا».
ويعزي مراقبون التحديات أمام ملف المرتزقة في ليبيا إلى الانقسام الداخلي وتشابك مصالح الأطراف الخارجية المتداخلة في ليبيا، لذلك يذهب محمد الترهوني إلى الربط بين حلحلة الملف العالق منذ خمس سنوات وتحرك الشارع لإنهاء الانقسام السياسي الذي أفرز منذ العام 2014، حكومتين متنافستين في غرب البلاد وشرقها.
وبين من يعزون استمرار بقاء المرتزقة في ليبيا إلى تشبث الفرقاء بهم باعتبارهم أوراقا رابحة في الصراع على السلطة والمال، ومن يرجعونه إلى تضارب مصالح الأطراف الخارجية المتداخلة في الشأن الليبي يظل السؤال مطروحا متى تتوافر الظروف للتخلص من هذه الملف المفخخ قبل انفجاره؟
