مواجهة الإجرام الرقمي بحق المرأة مشروع استراتيجي
د.محمد عبدالرحمن الفيتوري في حوار لـ«الوسط»: مواجهة الإجرام الرقمي بحق المرأة مشروع استراتيجي
القاهرة – بوابة الوسط: هبة أديب الجمعة 07 نوفمبر 2025, 09:16 صباحا
للمرة الأولى، تعتزم ليبيا تنظيم المؤتمر الدولي لمواجهة الإجرام الرقمي بحق المرأة، وذلك في يونيو 2026.
المؤتمر العلمي الدولي الأول يعقد في العاصمة طرابلس ويدور حول «تداعيات وأبعاد الاستهداف الإجرامي الرقمي للمرأة في العالم الافتراضي» وتنظمه وزارة الدولة لشؤون المرأة بحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، التي تتولى حقيبتها الوزيرة د.حورية الطورمال.
المؤتمر الدولي الأول التي تزداد أهيمته في ظل التسارع الرقمي، وتحول الفضاءات الافتراضية إلى ساحات صراع تشهد جرائم تستهدف المرأة، يرأسه المستشار د.محمد عبدالرحمن الفيتوري، التي حاورته «الوسط» فقال إن الحدث سيجمع نخبة نسائية عربية في لجان علمية واستشارية وتنظيمية، جميعها بقيادة نسائية تطوعية.
أضاف محمد الفيتوري أن المؤتمر يشكل محطة وعي رقمية تسعى إلى رسم خريطة حلول عملية تجمع بين القانون والأمن والتعليم والتقنية، حيث يهتم الجميع بمناقشة أبعاد الأزمة وسبل مواجهتها. إلى نص الحوار:
• كيف تصف حجم وخطورة الاستهداف الإجرامي الرقمي للمرأة؟
نحن أمام ظاهرة خطيرة ومتسارعة تمس البنية الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع.
الاستهداف الرقمي للمرأة لم يعد يقتصر على الابتزاز التقليدي؛ بل تطور إلى أشكال أعقد مثل التحايل والتصيد الذكي، سرقة الصور والبيانات، التزييف العميق، الاستقطاب للجريمة، والتوريط في المحتوى المسيء والتافه.
تضاعفت معدلات هذه الجرائم في السنوات الأخيرة بسبب سرعة التطور التقني مقابل بطء الاستجابة التشريعية والمجتمعية. والأخطر من الجريمة نفسها هو الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة التي تخلفها على الضحية والأسرة، وأحياناً على مستقبلها المهني والأسري.
• ما الخطوات التي ترونها ضرورية لمواجهة هذا التهديد؟
المواجهة لا تكون بالشعارات بل بالاستراتيجية على المستوى العربي.
نحتاج إلى منظومة متكاملة ترتكز على ستة محاور: القانون والتشريع: تطوير قوانين مرنة وعابرة للحدود تشدد في تجرّيم جرائم العالم الإفتراضي وجرائم الذكاء الصناعي والتزييف العميق. والأمن الرقمي المؤسسي: تأسيس وحدات طوارئ رقمية نسائية في المؤسسات الأمنية. والتربية الرقمية: إدراج مناهج «الثقافة الأمنية الرقمية» في التعليم العام والجامعي. والدعم النفسي والاجتماعي: إنشاء مراكز«الإرشاد النفسي الرقمي» للضحايا.
– للاطلاع على العدد «520» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
الشراكة التقنية: تعاون حقيقي مع المنصات الرقمية الكبرى لضمان إزالة المحتوى المسيء بسرعة. والتمكين الرقمي للمرأة: تدريبها على أدوات الأمان الرقمي والتحقق والوعي بالمخاطر.
• هل يمكن أن تحدثنا عن خطوات فورية يمكن اتخاذها الآن على مستوى الدولة والمؤسسات؟
نعم هناك خطوات عديدة، منها إمكانية إطلاق حملة وطنية طارئة للتوعية مع مواد مبسطة ومقاطع فيديو تعليمية. وتشكيل خلية تنسيق بين وزارة الداخلية، التعليم، والاتصالات لرصد البلاغات والإزالة السريعة. وتفعيل خط مساند نفسي وقانوني مجاني للضحايا.
وأيضاً وضع بروتوكول إجباري للمنصات للتعامل مع بلاغات الابتزاز والمواد المسروقة خلال 72 ساعة. ووضع برامج تدريب موجهة لمعلمي المدارس على التعرف على المعرضات للخطر.
• كيف تصفون هذا المؤتمر وما الذي يجعله حدثاً مهماً؟
المؤتمر ليس مجرد فعالية أكاديمية؛ بل مشروع استراتيجي جاء بعد مسيرة شخصية تمتد لخمسة وثلاثين عاماً من العمل الوقائي والمجتمعي في مكافحة الجريمة والانحراف والمخدرات.
هو مؤتمر يكرس للمرأة مساحة القيادة والتفكير والمبادرة، ويجعلها في قلب النقاش الرقمي لا كضحية فحسب، بل كصانعة للوعي وشريكة في صياغة الحماية وقائدة في خط المواجهة الأمامي في المواجهة .
يهدف المؤتمر إلى تحليل الأبعاد القانونية والأمنية والاجتماعية والنفسية والفكرية للاستهداف الإجرامي الرقمي للنساء والفتيات، ووضع رؤية استشرافية متكاملة لتعزيز الأمن الرقمي النسائي وحماية المرأة والأسرة والمجتمع من التهديدات الرقمية التي تجاوزت الحدود التقليدية للجريمة.
• وما هو الهدف من المؤتمر؟
تأسيس منظومة معرفية وقانونية وأمنية وإنسانية لحماية المرأة في العالم الافتراضي، وتمكينها من مواجهة التهديدات الرقمية بوعي استباقي يعتمد على البحث العلمي والتكامل المؤسسي.
كما نسعى إلى تسليط الضوء على الأبعاد المتنامية للجرائم الرقمية ضد النساء والفتيات، وتحويل الوعي الرقمي إلى قوة مجتمعية وقانونية قادرة على الوقاية والحماية والتمكين، ضمن قيمنا الدينية وهويتنا الأخلاقية.
• هل هناك خطة لتناول الملفات الخاصة بالإجرام الرقمي تجاه المرأة ووضع حلول لها؟
نعم، إذ سنعمل على دراسة الجرائم الرقمية الموجهة ضد النساء من منظور قانوني، أمني، نفسي واجتماعي، مع قتراح تشريعات جديدة تتواكب مع التقنيات الحديثة وأساليب الجريمة الرقمية. وتعزيز ثقافة الأمن الرقمي الأسري في المدارس والجامعات والمجتمع.
تمكين المرأة من قيادة برامج الوعي والحماية الرقمية. ودعم التعاون العربي والإقليمي في مواجهة الاستهداف الإجرامي الرقمي العابر للحدود. وننادي بتأسيس مرصد عربي للأمن الرقمي للمرأة كمنصة دائمة للتنسيق والمعرفة.
• وما هي تفاصيل جلسات المؤتمر؟
سنتناول عدة ملفات منها: الأمن الرقمي والتحريات التقنية: دراسة ضعف الثقافة الأمنية الرقمية لدى النساء والفتيات، ودور الأجهزة الأمنية والتقنيات في الوقاية والتحقيق. والإطار القانوني والتشريعي: مناقشة التشريعات الوطنية والدولية والتحديات القضائية في إثبات الجرائم الرقمية.
والأبعاد الاجتماعية والنفسية: تأثير الابتزاز والعنف الرقمي على الأسرة والمجتمع والصحة النفسية للمرأة.
والصحة النفسية والجسدية: تحليل الاضطرابات النفسية الناتجة عن الجرائم الرقمية والإدمان الافتراضي.
والبعد الفكري والقيمي: دراسة الغزو الرقمي والإعلامي وتأثيره على العقيدة والهوية الأخلاقية. والتقنيات
الرقمية والأدلة الجنائية: استعراض أدوات التكنولوجيا في مكافحة الجريمة وتطوير الأدلة الرقمية.
والابتكار الرقمي والأمن المستقبلي: توظيف الذكاء الصناعي والتقنيات المستقبلية في بناء منظومات حماية ذكية للمرأة.
• كيف تترجم النقاشات النظرية إلى واقع؟
الفعاليات المصاحبة هي جزء جوهري من أهدافنا التطبيقية. وتشمل ورش عمل تخصصية في الأمن الرقمي، الذكاء الصناعي، التزييف العميق، حماية البيانات، ومهارات التحري الرقمي للنساء والفتيات. ومحاضرات علمية متخصصة يقدمها خبراء من الدول العربية في المجالات القانونية والنفسية والتقنية. وإنشاء منتدى المرأة الرقمي، وهو منصة تفاعلية للحوار والتدريب والتواصل المستمر بعد المؤتمر.
وإطلاق مجلة منتدى المرأة، مجلة علمية فكرية نصف سنوية تُعنى ببحوث المرأة والأمن الرقمي والقيم الأخلاقية.
– للاطلاع على العدد «520» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وإصدار أدلة إرشادية متخصصة مثل «دليل الأمان الرقمي للمرأة»، «دليل الوقاية من الابتزاز الإلكتروني»، و«دليل الأم الرقمية الآمنة».
• كيف تصفون حجم وخطورة الاستهداف الإجرامي الرقمي للمرأة؟
نحن أمام ظاهرة خطيرة ومتسارعة تمس البنية الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع.
الاستهداف الرقمي للمرأة لم يعد يقتصر على الابتزاز التقليدي، بل تطور إلى أشكال أعقد مثل التحايل والتصيد الذكي، سرقة الصور والبيانات، التزييف العميق، الاستقطاب للجريمة، والتوريط في المحتوى المسيء والتافه.
تضاعفت معدلات هذه الجرائم في السنوات الأخيرة بسبب سرعة التطور التقني مقابل بطء الاستجابة التشريعية والمجتمعية.
والأخطر من الجريمة نفسها هو الآثار النفسية والاجتماعية المدمّرة التي تخلّفها على الضحية والأسرة، وأحياناً على مستقبلها المهني والأسري.
• توريط المرأة في صناعة المحتوى التافه: ما دلالات هذه الظاهرة وأثرها؟
هناك صناعة رقمية مربحة تعتمد على جذب المشاهدات بأي ثمن. توريط المرأة في محتوى مسيء أو تافه يحدث عبر استدراج المراهقين والشابات بإغراءات مادية أو شعبية، ثم استغلال ذلك تجارياً. الأثر: تدهور السمعة، فقدان الاحترام الاجتماعي، واستغلال الاضطرابات النفسية لرفع نسب التفاعل. يجب مواجهة هذا بقوانين لحماية القُصر، حملات إعلامية تروّج لقيم محتوى محترم، وتحفيز منصات التواصل على سياسات نشر مسؤولة.
• الاستقطاب للجريمة: كيف تُستغل النساء كأدوات للتجنيد أو كحلقة في شبكات إجرامية؟
الشبكات الإجرامية تستخدم أساليب تصيّد نفسية لتجنيد فتيات ونساء: وعود بعمل، علاقات عاطفية كغطاء، أو الاستغلال في شبكات توزيع محتوى إباحي تجاري. في بعض الحالات تُستخدم النساء لإقناع ضحايا أخريات عبر العلاقات الشخصية، أو لتسهيل عمليات غسل أموال رقمية. ومكافحة هذا تتطلب برامج وقائية في المدارس والجامعات، دعم اقتصادي وفرص عمل بديلة، ومراقبة سريعة لمنصات التوظيف الوهمية.
• الاختراق وسرقة الصور والبيانات: لماذا تُسرق الصور؟ وما خطورة تداولها؟
الصور والبيانات تُستخدم لابتزاز، لتزوير هوية، لصناعة مواد تزييفية (deepfakes)، أو لبيعها في أسواق مظلمة. تداول صورة خاصة يمكن أن يقود إلى تشويه سمعة الضحية، فقدان عمل، أو حتى فقدان الحضانة في سياق نزاعات أسرية مزيفة. الخطر كذلك أن هذه المواد تستمر في الظهور على المنصات لسنوات، حتى بعد اتخاذ إجراءات قانونية، ما يجعل الأذى طويل الأمد. الحماية التقنية مهمة – تشفير النسخ الاحتياطية، خيارات الخصوصية الصارمة، وتعطيل الوصول غير المصرح به – لكن الوقاية الثقافية (الحد من نشر كل ما هو شخصي) لا تقل أهميّة.
• التحايل والتصيد: ما الفخاخ الشائعة وكيف نحمي النساء منها؟
الخدع تتراوح بين رسائل تبدو من جهات رسمية (بنوك، جامعات) وروابط مزيفة تُجسِّد صفحات تسجيل دخول أصلية. هناك أيضًا «تصيّد عبر العلاقات» حيث يجري بناء ثقة عاطفية ثم استغلالها. الحماية تبدأ بالتثقيف: التأكد من الروابط، عدم مشاركة كلمات المرور أو رموز المصادقة، استخدام المصادقة الثنائية، وتثقيف المرأة على التعامل الحذر مع «طلبات المساعدة» أو «الفرص السريعة». كما يجب على المؤسسات التعليمية والقطاع المصرفي إطلاق برامج توعوية مبسطة ومستمرة.
• الابتزاز بأنواعه: كيف يعمل المبتزون عادة؟ وما تأثير ذلك النفسي والاجتماعي على الضحية؟
أساليب الابتزاز متنوعة: من رسائل تطلب فدية مقابل عدم نشر صور أو رسائل خاصة، إلى ابتزاز نفسي طويل الأمد عبر التهديدات والتلاعب العاطفي. التأثير ليس ماديًا فقط، بل نفسي شديد: خوف، عزلة، اكتئاب، أحياناً اضطراب ما بعد الصدمة وحتى حالات انتحار مأساوية. اجتماعياً، يحدث تفتت في العلاقات الأسرية، فقدان ثقة، وصعوبة في الاستمرار بالعمل أو التعليم. لذلك الاستجابة لا بد أن تكون شاملة: حماية فنية، دعم نفسي، وإطار قانوني يردع الجناة.
• تزايد الاستهداف: هل هناك دلائل على ارتفاع معدلات الابتزاز والتحايل والتصيد؟ وما تفسير هذا الازدياد؟
الدكتور الفيتوري: لو نظرنا إلى نمط البلاغات والشكاوى في السنوات القليلة الماضية على المستوى المحلي أو العربي ، نرى قفزاً واضحاً في أنواع الابتزاز الرقمي المتطورة: رسائل ابتزاز ذات طابع شخصي، ملفات مفتعلة، فيديوهات مزيفة (deepfakes)، وحملات تصيّد متقنة تستهدف خصوصيات الضحية. التفسير بسيط: أدوات الجريمة الرقمية أصبحت متاحة بشكل أوسع، وأسواق بيع البيانات تزدهر، والمهاجمون صاروا أكثر احترافاً واستهدافاً شرساً للفئات الضعيفة. كما أن ثقافة مشاركة الحياة الشخصية علنًا تسهّل جمع مواد يُبتز بها.
• كيف يمكن للمرأة أن تكون جزءاً من الحل بدلًا من أن تكون ضحية فقط؟
الدكتور الفيتوري: بتمكينها فعلياً: تعليم تقني، فرص قيادة في في المجالس المحلية والأجهزة الأمنية والنيابات والمحاكم، وتدريب النساء ليصبحن محققات رقميات، مدافعات قانونيات، ومدربات توعية. عندما تصبح المرأة مصمِّمة حلول ومشرِّعة ومراقِبة، تتحول إلى درع وقائي للمجتمع بأسره.

