أطفال المهاجرين في ليبيا.. ضحايا أم قنابل موقوتة؟
أطفال المهاجرين في ليبيا.. ضحايا أم قنابل موقوتة؟
القاهرة – بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الإثنين 03 نوفمبر 2025, 11:56 صباحا
تكشف أزمة الهجرة غير القانونية في ليبيا وجها آخر يتعلق بأطفال المهاجرين، الذين يعيشون مثل ذويهم في ظروف تكشف ثغرات إنسانية وقانونية خطيرة. ويواجه هؤلاء الأطفال مصيرا غير واضح المعالم أمام أزمة إنسانية وأمنية تتطلب استراتيجيات طارئة لحمايتهم وضمان حقوقهم الأساسية.
وقال تقرير نشره موقع «ليبيا أبديت»، ومقره مدينة بنغازي، إن الحرب الأهلية في السودان، المشتعلة منذ أبريل العام 2023، أجبرت عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح نحو ليبيا، بينهم أطفال غير مصحوبين بذويهم أو أطفال وُلدوا أثناء الرحلة من السودان إلى ليبيا.
مأساة رحلة العبور إلى ليبيا
وتتعرض النساء على وجه التحديد عادة إلى مخاطر جمة في رحلة العبور من السودان إلى ليبيا، إذ بعضهن لا يتحدثن اللغة العربية أو الإنجليزية، مما يرفع احتمالات تعرضهن للابتزاز على يد عصابات التهريب، كما أن غياب قواعد بيانات رسمية وانتشار ما يعرف بـ«مخيمات» غير رسمية تقيم بها السيدات ويضعن أطفالهن يترك هؤلاء الصغار من دون حماية أو وثائق هوية، مما يعرضهم إلى خطر الاستغلال أو التهميش، مما يفرض ضرورة إيجاد حلول شاملة.
– منظمة الهجرة: أكثر من 894 ألف مهاجر موزعون بين 100 بلدية ليبية
– «الدولية للهجرة»: مسار المهاجرين عبر ليبيا الأكثر خطورة في شمال أفريقيا
– «ذا تلغراف»: العقوبات الدولية تعوق قدرة شرق ليبيا على مواجهة أزمة الهجرة
وأشار التقرير إلى أن أعداد الأطفال المهاجرين في ليبيا غير معروف إلى الآن، مع تقديرات بأن الأعداد تقدر بالآلاف. ففي حين يولد بعضهم في مستشفيات أو عيادات عامة، يظل الأغلبية منهم في مخيمات غير رسمية منتشرة على أطراف المدن الكبرى، حيث ظروف المعيشة قاسية من دون وثائق هوية أو حماية قانونية.
ظروف معيشية قاسية
ويوضح الباحث سالم إمجاهد أن «النساء المهاجرات يشكلن خطرا مضاعفا على المجتمع مقارنة بالرجال. فهنّ يسعين أحياناً إلى الحمل للحصول على حق اللجوء أو كسب تعاطف المجتمع، كما أنهنّ يواجهن مخاطر الاستغلال الجنسي والعمل في ظروف صعبة، سواء داخل مراكز الاحتجاز أو خارجها».
وأضاف أن «الأطفال مجهولي النسب أو الأيتام الذين يجري التخلي عنهم لأي سبب من الأسباب يشكلون أزمة إنسانية وقانونية ستواجهها الدولة الليبية على المديين القريب والبعيد».
وأصبحت ظاهرة الأطفال المهاجرين من كلا الجنسين شائعة في شوارع العاصمة طرابلس وغيرها من المدن الليبية. وينشأ هؤلاء الأطفال في بيئة قاسية للغاية، حيث يُجبرون على العمل منذ سن مبكرة لإعالة أسرهم أو لأغراض استغلالية تديرها شبكات محلية وأجنبية، مما يجعلهم عرضة للاتجار بالبشر أو الوقوع تحت سيطرة العصابات الإجرامية.
ظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي
وتلعب المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني سواء الأجنبية أو الليبية دورا مزدوجا في رعاية المهاجرات غير القانونيات الحوامل بتغطية تكاليف الولادة في العيادات الخاصة. وعلى الرغم من اللمحة الإنسانية، بحسب تقرير «ليبيا أبديت»، إلا أن تلك الممارسات تهدد النسيج الاجتماعي الليبي، إذ يصبح الأطفال مجهولي النسب جزءا من المجتمع دون تسجيل رسمي.
وقد أظهر التقرير السنوي لمستشفى الجلاء للنساء والتوليد أن عدد الولادات للأجنبيات بلغ في العام 2024 حوالي 1061 حالة، بينما جرى تسجيل 632 حالة في النصف الأول من العام 2025. وتثير هذه الأرقام الرسمية الصادرة عن مستشفى واحد في طرابلس مخاوف بشأن الحجم الحقيقي لأعداد أطفال المهاجرين في جميع أنحاء ليبيا.
وقالت المستشارة القانونية في مصلحة الأحوال المدنية، سمية الميزوغي، إن الطفل المولود في ليبيا لأم مهاجرة معروفة الجنسية يُنسب إلى والدته ولا يُمنح الجنسية الليبية تحت أي ظرف من الظروف.
وفي المقابل، يجري تسجيل الأطفال حديثي الولادة الذين يُعثر عليهم مهجورين في الأماكن العامة دون معرفة والديهم، ويتم إيداعهم في دور الرعاية، ويُمنحون الجنسية وفقا للقانون.
فجوة بين القانون والواقع
وقالت الميزوغي: «تخلق هذه الإجراءات الرسمية فجوة كبيرة بين القانون والواقع، إذ أن العدد الفعلي لهؤلاء الأطفال أكبر بكثير من العدد المسجل رسميًا، مما يزيد من خطر تعرضهم للتشرد والانزلاق إلى بيئات خطرة».
ويؤكد الباحث سالم إمجاهد أن الحلول القانونية ينبغي أن تتجاوز مجرد التدابير الأمنية أو الوقائية لتشمل تشريع ينظم رعاية المواليد الجدد مجهولي النسب، ومنع استغلالهم في شبكات التسول أو عصابات التهريب.
ومن بين المقترحات القانونية والإدارية التي قدمها الخبراء إغلاق المنشآت غير المرخصة التي تستخدم عاملات أجنبيات، ومنع تحويلات الأموال غير المشروعة، وحظر منح الجنسية الليبية تحت أي ذريعة، وترحيل الأم والطفل معا كلما أمكن ذلك، وتنظيم عمل العيادات الخاصة، ومكافحة الفساد الإداري وتواطؤ بعض المسؤولين مع شبكات التهريب، ومعالجة ضعف الرقابة على الحدود، وإنشاء مكتب ادعاء عام متخصص لمكافحة تهريب البشر.
خيارات محدودة ومعقدة
وتملك السلطات الليبية، بحسب التقرير، خيارات محدودة ومعقدة للغاية لمعالجة قضية الأطفال المهاجرين مجهولي النسب، وتتراوح بين تبني تدابير حازمة لمواجهة تداعيات تلك المشكلة وتفعيل قوانين تسمح بدمج هؤلاء الأطفال في المجتمع.
ويقترح أحد الخيارات المطروحة مراقبة ولادة الأطفال مجهولي النسب وإغلاق العيادات غير المرخصة، ومراقبة العيادات الخاصة التي تلجأ إليها المهاجرات، وتفكيك شبكات التهريب والاتجار في البشر التي تستغل هؤلاء الأطفال، لغرض السيطرة على الظاهرة ومنع تدهور الأوضاع الأمنية والاجتماعية.
أما الخيار الثاني فهو تبني قوانين مرنة تسمح بدمج الأطفال في الأنظمة الصحية والتعليمية الرسمية، مع ضمان الحماية القانونية لهم. وعلق الدبلوماسي السابق علي ماريا: «يجب أن تتضمن هذه التشريعات منح الأطفال الحق في التعليم والرعاية الطبية والإقامة القانونية، إلى جانب إنشاء قواعد بيانات مركزية تتضمن الهويات البيومترية للأطفال المولودين لأمهات مهاجرات».
دور المجتمع الدولي
في سياق متصل، يقترح خبراء أيضا إشراك منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية في برامج لدعم الأطفال والأمهات، إما من خلال مراكز إعادة تأهيل وحماية، أو من خلال برامج التعليم، لدعم هؤلاء على الاندماج في المجتمع.
كما يؤكد مراقبون، بحسب التقرير، أهمية التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة شبكات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، وغلق نقاط الدخول غير القانونية وضبط الحدود الشاسعة لليبيا، مع ضمان حقوق الإنسان كأولوية لتجنب تفاقم الأزمة الإنسانية.
ويرى التقرير أن الحاجة تبدو ماسة إلى تشريع جديد لضمان إدماج الأطفال في المدارس، وتزويدهم بفرص التعلم والمهارات التي تمكنهم من التكيف مع المجتمع الليبي. من شأن ذلك أن يحد من مخاطر التهميش والتسرب من التعليم، ويمنع استغلالهم في الأنشطة غير القانونية أو انخراطهم في الجريمة المنظمة.
