مطالب بتفكيك «دولة الظل الإجرامية» في ليبيا
القاهرة – بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الجمعة 14 نوفمبر 2025, 10:59 صباحا
«لأن الاقتصاد هو عماد القوة، فغالباً ما يرتبط امتلاك الثروة بامتلاك السلاح»، ربما لهذه المعادلة المنطقية يصبح التحذير من استغلال بعض الأطراف والجماعات المتطرفة الاقتصاد غير الرسمي في أعمال غير قانونية مثل تهريب الأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر أمراً ضرورياً.
في هذا السياق يحذر مقال نشره منتدى الشرق الأوسط من تطور الفوضى الأمنية والسياسية في ليبيا، وتحولها إلى ما وصفه بـ«نظام عابر للحدود للتجارة غير المشروعة، يعمل بدقة وفعالية لدرجة تحوله إلى دولة ظل»، مطالباً الولايات المتحدة وشركائها بالتحرك بشكل فوري ومتكامل لتفكيك الاقتصاد غير المشروع في ليبيا ومنعه من التطور إلى خطر يهدد منطقة شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط.
وأشار الباحث في شوؤن شمال أفريقيا، أمين أيوب، إلى تورط شبكات التهريب وتشكيلات مسلحة ومسؤولين فاسدين وغيرهم من الأطراف الانتهازية في بناء سلسلة توريد لوجستية تهدف إلى تهريب البضائع والأسلحة والمخدرات والأموال عبر منطقة الصحراء والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
وقال إن «التساؤل الأهم الآن بالنسبة إلى العواصم الغربية وحلفائها ينبغي أن يتمحور حول كيفية منع هذا النظام الاقتصادي الإجرامي من التحول إلى خطر دائم يهدد استقرار ومصالح القوى الإقليمية والدولية».
بنية فاسدة
وعزا مقال المؤسسة البحثية التي تأسست العام 1994، المنشور الثلاثاء، تلك «البنية الفاسدة» على حد وصفه إلى مجموعة من الأنماط المتوقعة، أبرزها الحدود الشاسعة لليبيا والقوات الأمنية المشتتة والمنقسمة، وكذلك النظام الاقتصادي القائم على الربح غير المشروع، مشيراً إلى وجه الخصوص إلى ميناء بنينا في المنطقة الشرقية، ومدن الزاوية وصبراتة المطلتين على ساحل البحر المتوسط، وعدهما «مسارح جرائم ليست منعزلة بل نقاط اتصال رئيسية في شبكة تهريب تمتد عبر القارة».
الكاتب تحدث عن تغيُّر ملحوظ في حركة المهاجرين غير القانونيين في ليبيا؛ إذ يقع غالبية هؤلاء الآن ضحية شبكات التهريب عبر قنوات شبه رسمية، ويدفعون رسوماً معروفة مقابل الحصول على تصريحات أمنية وحزمة من الخدمات تشبه إلى حد كبير الخدمات التي تقدمها شركات الرحلات الرسمية.
وقال إن «تدفق الإيرادات هائل، كما أن الجهات المتورطة قادرة على التكيف إلى حد كبير، وحينما يجري إغلاق أحد المسارات، ينجح هؤلاء في إعادة توجيه مسارهم من جديد»، مضيفاً أن «المسارات نفسها المستخدمة لنقل المهاجرين يجري استغلالها لنقل أي نوع من البضائع بشكل غير شرعي».
تسليح التشكيلات المسلحة في منطقة الساحل
أنشطة التهريب، لا تقتصر بحسب المقال، على المهاجرين، بل تمتد إلى الأسلحة والعتاد العسكري من ترسانة النظام السابق التي وقعت في يد تشكيلات مسلحة منتشرة عبر منطقة الساحل. كما تتجه المخدرات والبضائع المهربة شمالًا صوب أوروبا، في حين تنتقل المعادن النفيسة والأرباح غير المشروعة جنوباً. المقال أشار إلى أن أرباح تلك الأنشطة تذهب لإثراء شبكة هجينة من اللاعبين قال إنهم «يتولون الحكم ليلا، ويمارسون التهريب والنهب نهاراً»، وأضاف محذراً: «حينما تبدأ الأنظمة الإجرامية في القيام بالوظائف الأساسية للدولة، مثل توفير الوظائف أو فرض الأمن أو جمع الضرائب، عندها يتلاشى الخط الفاصل بين التمرد وريادة الأعمال».
– للاطلاع على العدد «521» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
كذلك، حذر المقال من تداعيات تلك الأنشطة على المصالح الأميركية في ليبيا والمنطقة، وقال إن «انعدام الاستقرار في ليبيا وتقوية الشبكات الإجرامية في منطقة جنوب الصحراء والساحل يخلق بيئة أقسى وأصعب للشركاء في شمال أفريقيا بشكل عام».
كما أن الوضع في ليبيا وازدهار أنشطة التهريب غير المشروعة يعقد جهود التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ويهدد حرية الملاحة في المسارات البحرية الرئيسية، ويخلق أزمة إنسانية تختبر الإرادة السياسية للولايات المتحدة وحلفائها.
وفي الوقت نفسه يخلق الوضع في ليبيا أزمة جديدة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وضغوطاً ستتطلب في المستقبل استجابة مكلفة من قبل أوروبا وستعقد جهود التضامن عبر الأطلسي. ورأى المقال أن «ما يبدو أنه أزمة داخلية تتعلق بغياب القانون والنظام هو في الواقع صداع استراتيجي له تبعات على الأمن والهجرة والحوكمة الإقليمية».
حلول تقليدية غير مجدية
ورأى المقال أن الحلول التقليدية لحل الأزمة في ليبيا، مثل حملات مكافحة الجريمة وفرض عقوبات انتقائية، تعالج فقط الأعراض الظاهرة دون معالجة الجوهر، وقال: «حينما تكون قوات الأمن نفسها جزءاً من المشكلة، وتتشابك الولاءات القبلية وشبكات المحسوبية مع المؤسسات الرسمية، فإن حملات القمع لا تؤدي سوى إلى تعميق الأزمة وفتح المجال أمام استغلاليين جدد».
وأكد أيوب أن «المهمة لا ينبغي أن تقتصر على مجرد إنقاذ القانون؛ بل يجب أن تشمل تفكيك الشبكات الإجرامية والأعمال التي تجعل الجريمة مربحة، وإيجاد بدائل موثوقة للمجتمعات التي تعتمد على الاقتصاد غير المشروع من أجل البقاء».
وقال إن ذلك سيتطلب مزيجاً من الضغط الموجه والمشاركة العملية، وأن يقترن الدعم المقدم إلى القوى الأمنية وحرس السواحل مع مبادئ المحاسبة والرقابة التي تقلل فرص التورط في الأنشطة غير المشروعة. وينبغي أيضاً أن تقترن التدابير الاقتصادية ببرامج تنمية توفر سبل عيش حقيقية وقانونية في المجتمعات الحدودية والمهمشة. إلى جانب تعزيز التعاون الاستخباراتي لتفكيك التدفقات المالية وحماية سلاسل التوريد، بدلا من الاكتفاء بمطاردة وتعقب مراكب تهريب المهاجرين الصغيرة في البحر.
لا حلول سريعة
كما تحتاج الجهود الدبلوماسية إلى إقناع الأطراف الإقليمية بأن «تكلفة التسامح مع الشبكات الإجرامية أكبر من المكاسب قصيرة الأجل الناجمة عن استخدامها كأدوات للنفوذ والتأثير»، بحسب المقال.
وقال أيوب: «لا يوجد حلول سريعة. الانقسام في ليبيا عميق، لكن تجاهل المشكلة ليس خياراً قائماً. فاستمرار الشبكات الإجرامية العابرة للحدود في تعزيز مكانتها حول ليبيا، يعني أن تصبح المنطقة أقل قابلية للحكم وأكثر خطورة على كل القوى المهتمة باستقرار حوض البحر المتوسط».
وختاماً، حذر المقال من أن «الفشل في التحرك الآن يعني تطبيع نظام اقتصادي إجرامي يصدِّر انعدام الاستقرار إلى المنطقة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة وشركائها، الخيارات واضحة: إما المساعدة في تفكيك دولة ظل تعمل في تهريب البشر وتغذي العنف الإقليمي، أو مراقبة تحول ليبيا إلى مركز للجريمة العالمية يعيد كتابة قواعد النظام في شمال أفريقيا».

