روائيون عرب: الرواية تُعيد كتابة التاريخ وتُنصف الهامش
الشارقة (الاتحاد)
أكدت نخبة من الروائيين العرب أن الرواية تُعد أحد أهم الفنون القادرة على تفكيك البنى الاجتماعية والثقافية، وإعادة تشكيل الوعي الإنساني من خلال استحضار الأصوات المهمّشة والهويات المنسية في التاريخ والجغرافيا. جاء ذلك خلال ندوة فكرية بعنوان «الرواية كفضاء سردي لاستكشاف الهوية والهامش والتاريخ الإنساني»، أقيمت ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، جمعت كلاً من الروائي الدكتور شكري المبخوت، الروائي الجزائري الصديق حاج أحمد، والدكتورة مريم الهاشمي.
في مداخلته قدّم الدكتور شكري المبخوت الحائز على جائزة البوكر عام 2015 عن روايته «الطلياني»، قراءة عميقة لمفهوم الهامش وعلاقته بالتاريخ من خلال الرواية، موضحاً أن المشكلة في الهامش ليست في موقعه فقط، بل في قدرته على إعادة تشكيل السرد التاريخي نفسه، وقال المبخوت: «التاريخ في نهاية الأمر هو رواية، والرواية حين تتعامل مع التاريخ لا تكتفي بتكراره، بل تُعيد صياغة الحكاية التي نجدها فيه لتخلق حكاية ثانية، قد تكون مضادة أو مختلفة جذرياً عن السرد الرسمي».
وأشار المبخوت إلى أن موقع الهامش يبني معنى جديداً، إذ إن الرواية تفكك التاريخ وتسائله، وأضاف أن الرواية في جوهرها تنتصر للأصوات التي همّشها التاريخ، فهي تشتغل على الذاكرة الإنسانية أكثر مما تشتغل على الوقائع. وأكد في ختام حديثه أن «كل رواية حقيقية تُبنى على هامش ما».
شهادة إبداعية
من جانبه قدم الروائي الجزائري الصديق حاج أحمد، شهادة إبداعية تربط تجربته الخاصة بأسئلة الندوة حول الهامش والهوية وخطاب ما بعد الحداثة، فقد انطلق حاج أحمد من تساؤل جوهري: هل الهامش ظاهرة جديدة؟ ليؤكد أن الأدب العربي القديم كان حافلاً بصور الهامش منذ شعر الصعاليك، مروراً بقصص الترحال والشتات مثل السندباد وغيره. وقال: «الإشكال الكبير أننا قرأنا أدبنا العربي في ضوء السرديات الغربية، فأهملنا خصوصيتنا، والتاريخ حين يُدمج بالهامش والهوية يصبح قلقاً، لكنه حين يُقرأ عبر الذاكرة الإنسانية، يستعيد عمقه الحقيقي».
وتحدّث الحاج أحمد عن تجربته الروائية عبر ثلاث مراحل أساسية، ففي روايته «مملكة الزيوان» تناول الهامش الصحراوي، أما في روايته «كاماراد» فانشغلت بالهامش الأفريقي. ويرى الحاج أحمد أن روايته مهدتْ الطريق أمام الرواية العربية لدخول عوالم أفريقيا المتشابكة ثقافياً وإنسانياً.
الهوية والتاريخ
من جانبها ركّزت الدكتورة مريم الهاشمي على البعد الفلسفي لمفهومي الهوية والتاريخ في بنية الرواية، معتبرةً أن الرواية هي الكائن الأدبي الأكثر قدرة على احتواء تعقيدات الحياة الإنسانية، ورأت أن هذا الجنس الأدبي يحمل بطبيعته إشكاليات الهوية وحضور التاريخ في الكتابة، لأنه كائن حي دائم التحول، يتفاعل مع المجتمع ويتغذى من أسئلته.
وتحدثت الهاشمي عن الهوية بوصفها مفهوماً متعدّد الدلالات لا يمكن حصره في تعريف واحد، إذ يحمل الفرد داخله هويات متعددة تتشكّل وفق السياق والزمن والتجربة، ومن هنا جاءت الرواية لتكون مساحة للإجابة عن سؤال الذات: من أنا؟، وأضافت: «الرواية ليست فقط تعبيراً عن الهوية، بل هي أيضاً بحث دائم عنها، لأن الذات حين تكتب تحاول أن تفهم نفسها والعالم من حولها».
ودعت إلى مساءلة التاريخ أدبياً، بقولها: «الإبداع الروائي هو وسيلة لإعادة التفكير في ذواتنا وهوياتنا، وأن مساءلة التاريخ ليست رفضاً له، بل سبيلاً لإغنائه وإعادة كتابته من منظور إنساني متجدد».
