الإمارات.. دور داعم لمسار سياسي سوداني بقيادة مدنية

أحمد شعبان (القاهرة)

منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان، في أبريل 2023، تلعب الإمارات دوراً سياسياً ودبلوماسياً بارزاً في دفع البلاد نحو مسار سياسي بقيادة المدنيين، مؤكدة رفضها القاطع لأي تصعيد عسكري أو محاولة للهيمنة على السلطة بالقوة.
وقال فداء الحلبي، الباحث في الشأن العربي، إن تجدد المزاعم الكاذبة التي تسوقها أطراف بعينها ضد الإمارات ليس مستغرباً، إذ إن النهج المعتدل ومواقفها الثابتة في دعم الدولة المدنية كانت من أبرز العقبات التي حالت دون سيطرة هذه الأطراف على الحكم بالسودان.
وأضاف الحلبي، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن الإمارات دافعت عن حقوق الشعب السوداني في قيام دولة مدنية، عبر قنواتها الدبلوماسية ونشاطها الدولي، الذي تُوِّج بتوقيع اتفاق «الرباعية» الداعم للتحول المدني، مؤكداً أن الدولة تعاملت مع الملف السوداني بمسؤولية عالية، بعيداً عن أي أطماع سياسية أو اقتصادية. وأشار إلى أن المهيمنين على «سلطة بورتسودان» يواجهون اليوم عُزلة داخلية متزايدة، نتيجة المقاومة الشعبية التي تسعى لاستعادة مكتسبات ثورة ديسمبر، مما دفعها إلى محاولة توجيه أنظار الرأي العام نحو الخارج، عبر فبركة اتهامات باطلة ضد الإمارات ودول أخرى، في محاولة بائسة لتصدير أزمتها السياسية.
وتقوم الرؤية الإماراتية على أن السلام لا يتحقق بالقوة العسكرية، بل من خلال عملية انتقالية مدنية يقرر فيها الشعب السوداني مستقبله بنفسه. 
وتؤكد الإمارات أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمثلان الشعب السوداني، ولا يمكن لأي منهما تحقيق الاستقرار في البلاد، مشددة على أن الانتقال إلى عملية سياسية وتشكيل حكومة مستقلة بقيادة مدنية هما النموذج الوحيد القادر على إحداث تغيير حقيقي في السودان.
في السياق، أوضح الخبير الأمني، ياسر أبوعمار، أن الموقف الإماراتي تجاه الأزمة السودانية يعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة الصراع وتركيبته المعقدة، حيث لم تنجر وراء المزايدات السياسية، بل اختارت طريق التهدئة والدبلوماسية الهادئة. 
وذكر أبوعمار، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تتعامل مع الملف السوداني من منظور الأمن الإقليمي الشامل، وتدرك أن استمرار الصراع لا يهدّد فقط وحدة السودان بل يمتد أثره إلى أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهي مناطق ترتبط بشكل مباشر بمصالح العالم العربي.
وأكدت الإمارات مراراً أن أي محاولة للسيطرة العسكرية على السودان ستؤدي لمزيد من الانقسام والمعاناة، ودعت إلى وقف شامل لإطلاق النار وفتح الطريق أمام الحل المدني، مما يعكس حرص الدولة على ربط الاستقرار السياسي بحماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ورفض أي حلول عسكرية أو هيمنة فئوية على مستقبل البلاد.
وعلى الصعيد الدولي، شاركت الإمارات ضمن مجموعة «الرباعية الدولية»، التي تضم السعودية ومصر والولايات المتحدة، وصدر بيان مشترك في 12 سبتمبر الماضي، أكد أن مستقبل السودان يجب أن يقرره السودانيون من خلال عملية انتقالية شاملة وشفافة لا يسيطر عليها أي طرف مسلح. 
وتوظف الإمارات مشاركاتها الفاعلة في منظمات المجتمع الدولي، وبالأخص الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من أجل حماية المدنيين ودعم المسار السياسي في السودان بقيادة المدنيين ورفض أي دور عسكري مستقبلي للمتنازعين.
وفي أواخر أكتوبر الماضي، قال محمد أبو شهاب، مندوب الدولة لدى الأمم المتحدة، إن الإمارات تستنكر الهجمات ضد المدنيين والانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي، وتدعو إلى حماية المدنيين والعاملين في المنظمات الإغاثية، وتحمل المجتمع الدولي مسؤولية الضغط على الأطراف المسلحة لاستئناف المفاوضات بجدية. وأوضحت الإمارات أن المعاناة المستمرة تؤكد أن الحل الوحيد القابل للتطبيق يكمن في عملية انتقالية حقيقية تؤدي إلى حكومة مدنية مستقلة ليست تحت سيطرة أي من الطرفين المتحاربين، مشددة على أن الحكومة المدنية هي السبيل إلى سودان آمن لجميع مواطنيه، خالٍ من التطرف والعنف، ويجب أن يكون الشعب السوداني هو من يقرر مستقبله.
ولم يقتصر اهتمام الإمارات على الجانب السياسي لحل الأزمة السودانية، بل امتد إلى جهود إنسانية واسعة دعماً لانتقال السلطة إلى المدنيين وتحقيق العملية السياسية المنشودة، حيث قدمت أكثر من 600 مليون دولار كمساعدات عاجلة لتخفيف معاناة المدنيين ودعم اللاجئين بالمناطق المتضررة.
كما دعت الإمارات إلى فتح ممرات آمنة لإدخال الغذاء والدواء والمساعدات الأساسية، وحثت على منع استخدام المساعدات لأغراض سياسية أو عسكرية.
ورغم مواقف الإمارات الواضحة وجهودها الإنسانية والسياسية المكثفة الداعمة للسودان، فإن المبادرات الإماراتية لإحلال السلام والأمن والاستقرار في البلاد تواجه العديد من التحديات، أبرزها استمرار القتال، إضافة إلى الحملات التضليلية التي تهدف إلى عرقلة الحل السياسي.
لكن الموقف الرسمي الذي تنتهجه الدولة ثابت وراسخ ويتمثل في أن السبيل الوحيد لاستقرار السودان يكمن في السلطة المدنية، وأن الحل العسكري غير مقبول، وأن تفعيل الحل السياسي المدني هو الوسيلة الأمثل لضمان وحدة السودان واستدامة الأمن والسلام فيه.