كيف تحولت السودان إلى مسرح للنفوذ الأجنبي؟
القاهرة – بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الإثنين 10 نوفمبر 2025, 03:49 مساء
سلطت شبكة «سي إن إن» الأميركية الضوء على الحرب الأهلية المشتعلة في السودان منذ العام 2023، والتي قتلت 150 ألف شخص حتى الآن، مشيرة إلى أن التدخل الكبير لعدد من القوى الدولية في الحرب جعلها أكثر تعقيدا وأكثر دموية.
وقالت الشبكة الأميركية، في تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني أمس الأحد، إن التقارير المروعة التي كشفت تفاصيل المذابح بحق مئات المدنيين في مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور الشمالي، على يد قوات الدعم السريع تمثل الفصل الأحدث في هذا الصراع الدموي الذي دفع ملايين المدنيين للنزوح إلى الدول المجاورة.
وتحمل السودان أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الإقليم الأوسع، فهي الجسر الرابط بين الشرق الأوسط وأفريقيا، وتطل على مساحة 500 ميلا من سواحل البحر الأحمر، كما أنها تملك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومناجم الذهب. وهي المنتج الأول في العالم للصمغ العربي، المكون الأساسي في كثير من صناعات الأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل.
من يتحكم بالسودان؟
ولا تقتصر تداعيات الحرب في السودان على الجبهة الداخلية وعلى المنافسة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بل تمتد إلى خارج الحدود لتصيب الدول المجاورة بشكل مباشر، إذ قال الدبلوماسي الأميركي المتقاعد الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى كمبوديا وزيمبابوي، تشارلز راي: «من يسيطر على السودان سيكون في وضع يسمح له بالتأثير في المنطقة الأوسع، في منطقة القرن الأفريقي، وكذلك في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى».
وأمام الضغط الدولي الكبير بسبب المذابح في مدينة الفاشر، أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على هدنة إنسانية مقترحة من قبل الرباعية التي تشمل مصر والولايات المتحدة والإمارات والسعودية.
– «أطباء السودان»: «الدعم السريع» ترتكب انتهاكات جسيمة ضد النساء في مدينة الفاشر
– «أطباء السودان»: «الدعم السريع» تحرق جثث ضحايا الفاشر في مجازر جماعية
– سفير سوداني لإذاعة فرنسا الدولية: الأسلحة المستخدمة في هجوم الفاشر مرت عبر ليبيا
اتهامات للإمارات بالتورط في مذابح الفاشر
وتواجه الإمارات على وجه الخصوص اتهامات متكررة بالتورط في المذابح التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر. وتعقب خبراء وحقوقيون بعض الأسلحة التي جرى العثور عليها في الفاشر إلى الإمارات، كما أن إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، حددت صلات بين شركات في الإمارات وقوات الدعم السريع.
ويتحرك عدد من واضعي السياسات الأميركيين من أجل تعليق مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الإمارات بسبب دورها في حرب السودان. والأسبوع الماضي، دعت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي إلى تصنيف قوات الدعم السريع على قوائم الإرهاب.
وأكدت اللجنة في بيان لها أن «الداعمين الأجانب، بما فيهم الإمارات، أشعلوا الحرب في السودان وتربحوا من الصراع»، لكن دون الدعوة بشكل رسمي إلى وقف مبيعات الأسلحة الأميركية إلى أبوظبي.
والعام الماضي، خلص تقرير للجنة خبراء عينها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى أن «الاتهامات ضد الإمارات ذات مصداقية»، وهو ما تنفيه الأخيرة بقوة.
أسباب اقتصادية
من جانبه، تحدث أستاذ العلوم السياسية والباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، خليل العناني، عن أسباب اقتصادية تدفع الإمارات للتورط في الحرب بالسودان، إلى جانب أسباب أخرى.
وقال، في تصريح إلى «سي إن إن»: «في حين أن الإمارات متورطة في السودان في المقام الأول لأهداف اقتصادية، للسيطرة على ثرواتها الطبيعية، بما في ذلك الزراعة والذهب، إلا أن هناك أسبابًا أخرى أيضا»، وأضاف: «لا ترغب الإمارات في رؤية انتقال ديمقراطي ناجح في السودان هذا يتفق مع حملة إقليمية أوسع نطاقا ضد حركات الربيع العربي خلال العقد الماضي. فقد كانت الإمارات الراعي الرئيسي للقوى المضادة للثورة».
أسلحة صينية وبلغارية في دارفور
ونقلت «سي إن إن» عن مصدر مطلع لم تكشف هويته أن خبراء الأمم المتحدة وجدوا بالفعل ما يعتقد أنه دليل ذو مصداقية على تورط الإمارات في إرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع، بما في ذلك العثور على ذخائر بلغارية الصنع في دارفور تم تصديرها سابقا إلى الإمارات.
وبشكل منفصل، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا مفصلا في وقت سابق من هذا العام زعمت فيه أنه تم العثور على أسلحة صينية، بما في ذلك مدافع «هاوتزر» من طراز «AH4»، في دارفور. وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الإمارات هي الدولة الوحيدة التي تأكد استيرادها لهذه الأسلحة تحديدا من الصين.
ردا على «سي إن إن»، قال مسؤول بالحكومة الإماراتية إن « مدافع الهاوتزر المعنية متاحة في السوق الدولية منذ ما يقرب من عقد من الزمان. الادعاء بأن دولة واحدة فقط هي التي اشترت أو نقلت هذا النظام غير صحيح»، على الرغم من أن السجلات تُظهر خلاف ذلك. كما رفض ممثل الخارجية الإماراتية التعليق على الذخائر البلغارية التي جرى العثور عليها في درافور.
هل تتورط السعودية في حرب السودان؟
في سياق متصل، أشار تقرير «سي إن إن» إلى دور المملكة السعودية، والتي تدعو علانية إلى حل سوداني للحرب وتقود جهود الوساطة إلى جانب مصر والولايات المتحدة. غير أن مراقبين تحدثوا عن الدعم الذي قدمته السعودية إلى قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، والدعم الدبلوماسي والسياسي.
ولعبت السعودية دورا رئيسيا في إجلاء آلاف الرعايا من السودان، غالبيتهم من الأجانب، في الأسابيع الأولى من الحرب. وقالت «سي إن إن» إن السعودية لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة في السودان، وتحرص على تحقيق التوازن مع المنافسين الإقليميين.
وهنا قال الدبلوماسي الأميركي السابق راي: «هناك فوائد اقتصادية لمشاركة السعوديين في أفريقيا، سواء في شمال أفريقيا أو في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، حيث يتزايد حضورهم بشكل ملحوظ، ولكنني أعتقد أنهم ينظرون أيضا إلى وجود بعض منافسيهم هناك، والأمر يتعلق بقدرتهم على مواكبة المنافسة بقدر ما يتعلق بأي شيء آخر».
فرصة لتعميق النفوذ الروسي في أفريقيا
كما أشارت «سي إن إن» إلى تورط روسيا في حرب السودان، التي تجد فيها بوابة لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية. وتتهم الولايات المتحدة موسكو بدعم طرفي الصراع في السودان لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية خاصة.
وكشفت الشبكة الأميركية في تقرير سابق عن تواجد قوات «فاغنر» الروسية في السودان لدعم قوات الدعم السريع عبر سورية وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وقالت: «في حين دعمت فاغنر قوات الدعم السريع علانية، تفاوض الكرملين مع قوات الجيش السوداني. وتحاول موسكو الحصول على موافقة السودان لبناء قاعدة بحرية في بورتسودان بهدف تأمين موطئ قدم على البحر الأحمر».
من جهته، يعتقد أستاذ العلوم السياسية العناني أنه «لا يوجد طرف محايد في الحرب بالسودان. كل طرف له مصالحه وأهدافه الخاصة التي يسعى إلى تحقيقها. السيطرة على السودان تعني بسط النفوذ على منطقة جنوب الصحراء بأسرها».
