لنتحرر من اللحظة الراهنة

امحمد شعيب

يثير صعود أية شخصية مسلمة أو عربية أو أفريقية في الانتخابات الأميركية رؤى ومواقف مختلفة، لكنني وجدتها تتسم بنظرة خارجية للأشياء والاكتفاء بسطحية الاستقبال وردود الفعل، البعض اعتبر ذلك اعترافا من الناخب الأميركي بعقولنا، البعض الآخر وجد فيها نصرا ولو جزئيا لقضايانا، وهناك من غرق في حالة انبهار لا يخفيه، الملاحظ أنها جميعا نسيت الإشارة للظروف والشروط التاريخية التي أنجبت هذه الديمقراطية والتي كانت عبر رحلة طويلة.

إن النظر للمشهد كحدث معزول عن التاريخ، وإغفال أن القادم الجديد هو ابن المؤسسات الأميركية التي تعمل وفق سياسات وآليات محددة وراسخة لمدة طويلة لا يضيف قيمة جديدة، أعتقد أن استقبال أي تطور مادي أو ثقافي دون محاولة فهم خلفياته الثقافية وسياقاته التاريخية يصبح عملا استهلاكيا لا يضيف قيمة معرفية جديدة، لذلك لا بد لنا من الخروج المطلوب من حالة الانفصام هذه التي نعيشها، المتمثلة في الانبهار بالغرب والعيش في الإقطاع؛ حيث الكل في الواحد في مؤسساتنا وبنيتنا الاجتماعية والسياسية.

لن يتم ذلك، إلا إذا أدركنا أن هذه المشاهد الديمقراطية التي نشاهدها هي نتاج ظروف وشروط موضوعية في رحلة تاريخية طويلة ومعقدة، غير أن ذلك لا يمنعنا من البدء في زرع بذورها المتمثلة في الاعتراف ببعضنا والشراكة في القرار السياسي والاقتصادي، المواطنة وحقوق الإنسان، الانحياز للعلم، إنارة العقل وإعماله في حياتنا، أما البوابات التي توصلنا إلى ذلك فهي فيما أعتقد ثلاث: الأولى منها، علاقة الداخل بالخارج.

لقد علمنا التاريخ الحديث والمعاصر الأهمية البالغة لبلدنا في الجغرافيا السياسية، علينا أن نحسن توظيف علاقاتنا التي تفرضها الجغرافية والتي لا مناص منها بما يخدم بلادنا، الثانية، التعايش والانسجام الداخلي الذى لن يتم إلا باعتراف الجميع بالجميع في القرار السياسي والاقتصادي، الثالثة، دولة للجميع وفوق الجميع بسلطاتها الثلاث، متمثلة ومستوعبة الشروط السابقة، أعلم أن ذلك بداية البداية، لننجح يجب أن نتحالف مع المستقبل بروح الصفحات المضيئة في تاريخنا، قد نفشل في تحقيقها إذا بقينا تحت ضغط اللحظة الراهنة التي يجب ألا تتسرب تشوهاتها في رحلة الغد المنتظر.