مركز المحفوظات يحتفي بأحد رموز ليبيا.. «نصف قرن من الإبداع» مع أمين مازن في حوارية العرفان
مركز المحفوظات يحتفي بأحد رموز ليبيا.. «نصف قرن من الإبداع» مع أمين مازن في حوارية العرفان
طرابلس – بوابة الوسط الجمعة 07 نوفمبر 2025, 08:33 صباحا
قاعة المجاهد، كانت على موعد مع حوارية تكريمية، نظمها المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، احتفاء بسيرة الكاتب والأديب والمثقف الكبير أمين مازن في فنون المقالة والرواية والنقد، كونه شاهداً ورمزاً أدبياً فاعلاً في المشهد الثقافي الليبي على مدار أكثر من نصف قرن.
الحوارية نظمت على مدى يومي الإثنين والثلاثاء بمشاركة نخبة من الكتاب والأكاديميين تناولوا في ورقاتهم الخصائص الفنية واللغوية والفكرية في أدب أمين مازن، كما ناقشت إسهاماته في طرح القضايا المجتمعية والأدبية والسياسية وكذلك ما يخص أدب السيرة.
استهلت الحوارية بكلمة للباحث علي الهازل الذي أشار إلى أن أمين مازن كمبدع كرس حياته للأدب، كما أن التكريم الذي يمنحه المركز ليس لكونه وسام شرف بل تعبير عن الامتنان لما قدمته هذه الشخصية من إبداعات حملتنا على أجنحة الخيال إلى عوالم جديدة وشكلت مصدر إلهام لنا.
– للاطلاع على العدد «520» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وفي كلمة وجهها إلى ليبيا استذكارا من هذه المناسبة تحدث الدكتور محمد الجراري رئيس المركز قائلا إن ما يجري في ليبيا وفي كل المنطقة هو استراتيجية الضرب من الخلف والخداع والتخدير المعنوي والدسائس والمؤامرات والاتفاقيات الكاذبة والحروب الإثنية والمناطقية حتى ننهار من الداخل وتسهل السيطرة علينا.
أضاف الجراري أنه في إطار هذه الاستراتيجية القائمة على دس السم في الدسم والنفس الطويل، تنفذ في ليبيا استراتيجية صناعة التفاهة لضرب القيم الثقافية والاجتماعية المساندة وإحلال القيم المطلوبة، وهكذا ينتهي الصوت الهادف المتشبع بالتراث الوطني وسط أجواء من بريق كاذب، لذا يصبح من الضرورة امتلاك المؤسسات البحثية زمام القيادة، فالمؤسسات الثقافية وجدت لتنمية حصانة المجتمع، كما يتوجب أن يترأسها رموز ثقافية مثل الذين نحتفي بهم اليوم.
مسؤولية لا مهنة
من جانبها أكدت وكيل وزارة الثقافية والتنمية المعرفية وداد الدويني علي دور الوعي الوطني في الالتفات إلى مبدعيه، وهو ما يتجسد مثالا في حوارية العرفان احتفاء بالكاتب أمين مازن، مشيرة إلى أن وجودها في الحوارية لا بصفتها الرسمية فحسب بل بتفاعل وجداني تعبيراً عن الامتنان لرجل حمل الكلمة مسؤولية لا مهنة وجعل من الكلمة رسالة، وساهم في بناء الوعي الوطني على مدى أكثر من نصف قرن.
وقالت الدويني: في هذه الفعالية نستحضر مقالات أمين مازن في مطبوعات (الرواد والإذاعة والفصول الأربعة) الخ . حيث كان ولا زال رمزاً للىتزان، وصوتا هادئا في زمن الضوضاء، مؤمنا أن المثقف الحقيقي لا ينتمي إلا للوطن، وفي رئاسته لرابطة الأدباء والكتاب جمع بين الأجيال ودافع عن وحدة المشهد الثقافي في وقت كان الانقسام يهدد كل شيء.
وأعدت الكاتبة والصحفية فتحية الجديدي مادة حوارية وثائقية مصورة بعدسة مخلص العجيلي وعمر النجار ومونتاج طارق بن دلة تحدث فيها الكاتب أمين مازن عن مكتبته والعهود التي عاصرتها وبالتالي تعرضها لأكثر من عدوان خصوصا في سنة 1973 زمن ما عرف بالثورة الثقافية ومحاولته إخفاء بعض المؤلفات التي تعارض سياسة المرحلة وكانت النتيجة ضياعها. وأشار في اللقاء إلي مؤلفات تزامن بدايات حياته الثقافية فترة خمسينيات القرن الماضي، كما عبر عن وجهة نظره في الكتابة والصحافة والكيفية التي يجب أن تكون عليها السلطة الرابعة.
ونيابة عن المجلس البلدي طرابلس المركز ألقت لطفية الطبيب مسؤول ملف الثقافة والتنمية كلمة أشادت خلالها بدور الكاتب أمين مازن الذي جعل من القلم وسيلة لبناء الثقافة، عدا أن هذا التكريم اعتراف صادق بقيمة عظيمة.
بدوره أكد الكاتب والروائي إبراهيم الكوني في كلمة عبر الهاتف على قدسية الكتابة، مشيرا في طرح فلسفي إلى معنى الوجود الذي يمارس الإنسان من خلاله عملية التنوير ونقد الواقع العملي والتضحية بحطام الدنيا لأجل الواجب، أمين مازن ينتمي إلى واقع ثري لا يكتفي بالتنفس وإنما لاقتفاء ماهية الحقيقة.
السيرة والسرد والمقالة
الحوارية تضمنت جلسات علمية بمشاركة نخبة من الكتاب ناقشت في عدة محاور إسهامات الكاتب أمين مازن في مجال المقالة والسرد والسيرة الذاتية، حيث قدم الكاتب يونس الفنادي ورقة تحت عنوان (قضايا على مجلة الفصول الأربعة)، موضحا أن الكاتب أمين مازن لا يتأثر بالمواقف السياسية والأيديولوجية بقدر ما ينحاز للوطن، وكتب في معظم الصحف منذ الاستقلال حتى العهد الحالي، وظل مميزا في مقالاته العميقة وما تتسم به من إتقان وتماسك بداية من البناء اللغوي المسهب بالتقديم الاستهلالي وعرض الرسالة الواضحة وحتى الخاتمة المحكمة.
وحول الذات والتاريخ والتراث تناول الدكتور علي برهانة الجانب المتعلق بالسيرة ثم السيرة الذاتية عند الكاتب أمين مازن في إشارة إلي ثلاثيته (مسارب)، متوقفا عند خطة أمين مازن التي انتهجها في مسارب وضمنها في الجزء الثالث وتتبنى الانتقال من الخاص إلي العام ومن الوطني إلى القومي والتعامل مع الأسماء بذات الكيفية السابقة، إذ يكتفي أحيانا بذكر الاسم فقط، مبررا ذلك أن ما شغل به النص الفعل ودلالته وليس الفاعل وحيثيته، كذلك الاهتمام بالمهمشين يمثل موقفا ممنهجا يمارس دون أن يقال، أيضا عدم إرفاق النص بصور من الرسائل الرسمية أو الشخصية بسبب عدم نبش أحداث الماضي، فالمعركة الحقيقية هي التي نخوضها اليوم.
وتحت عنوان «قصيدة تنتقل بين الظلال» قالت الناقدة التونسية أسماء السبوعي: أمين مازن يقدم رؤيته النقدية المغاربية العابرة للقطريات وتقوم على التجاور الشعري بين الأصوات لا التنافس بينها وعلى القصيدة بوصفها وسيطا ثقافيا وإنسانيا يعيد تشكيل الجغرافيا الرمزية بين ليبيا وتونس.
– للاطلاع على العدد «520» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
تناولت السبوعي أيضا علاقة الكاتب أمين مازن بالأدب التونسي وتحديدا بالنص الشعري من خلال تجديد حضور منصف الوهابي في كتاباته النقدية، كما تلامس الورقة التفاعل الثقافي العميق الذي يتجاوز حدود الجغرافيا لبناء فضاء مغاربي تتقاطع فيها الذاكرة والأدب مع السياسة والحوار مع التجاور الرمزي بين تجربتين، ليبية تبحث عن صوتها بعد صمت وتونسية تكتب ذاتها بين التمرد والتأمل.
بين الجمالي والفكري
وأشار الدكتور محمود ملودة في مشاركته إلى جانب المثقف في كتابات أمين مازن الذي ينتمي إلي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو جيل عندما أعد نفسه فاجأته النكسة ثم معطف 1969، لذلك فهو جيل مظلوم وانعكست هذه المظلومية في كون هذا الجيل موزعا بين القصة والرواية والنقد والاقتصاد والسياسة.
أضاف ملودة أن ما قاده لهذه الملاحظات ورقة للناقد العراقي عبدالله إبراهيم عن واقع النقد الأدبي في ليبيا وتناوله بلغة استعلائية مستخدما منهجا انتقائيا هاجم فيه بدون مبرر الأديب خليفة التليسي وسفه قصيدة البيت الواحد ومصطلحاته كما سفه الكاتب أمين مازن والناقد سليمان كشلاف. موضحا أن عبدالله إبراهيم حاكم أمين مازن بمناهج لم تكن متوفرة حينها، إذ لم تكن البنيوية والسيميائية موجودة في الستينيات والسبعينيات ولم تصل إلا عن طريق مجلة فصول المصرية في ثمانينيات القرن الماضي.
وواصل ملودة «ما قدمه أمين مازن في حقل النقد الأدبي وقتها كان متسقا مع النسق المعرفي المتوافر في ذلك الوقت بل كان متميزا في هذا الجانب وكان يوازن بين المتطلب الجمالي واشتراط الرؤية الفكرية، كما أن كتاباته النقدية لم تكن جارحة وتأخذ في طابعها أسلوب الرأي».

جلسة حوارية للاحتفاء بسيرة الكاتب والأديب والمثقف الكبير أمين مازن، 4 نوفمبر 2025. (مركز المحفوظات)

