ثورة الشاشة العمودية.. «دراما التيك توك» تعيد رسم خريطة هوليوود
ثورة الشاشة العمودية.. «دراما التيك توك» تعيد رسم خريطة هوليوود
القاهرة – بوابة الوسط الجمعة 07 نوفمبر 2025, 06:10 مساء
في قصرٍ مزيف شُيّد على تلة في لوس أنجليس، ينشغل فريق صغير بتصوير مشهد يعود لأحد أعمال «الدراما العمودية»، وهي صناعة بمليارات الدولارات أحدثت ثورة في هوليوود خلال عامين فقط، مع مسلسلات مصممة بالاعتماد على الخوارزميات لمشاهدتها على الهاتف بتنسيق عمودي، في أجزاء مدتها 60 ثانية.
بقصصها ذات المواضيع التشويقية وميزانياتها التي لا تتجاوز بضع مئات الآلاف من الدولارات، وجداول تصويرها السريعة، يُحدث هذا النمط الذي نشأ في الصين تحولاً جذرياً قد يسهم في إنقاذ هذا القطاع المتعثر، وفق خبراء.
يرى المنتج فينسنت وانغ أن هذه الأعمال أشبه «بمسلسلات تلفزيونية تحت تأثير الكوكايين».
ويقول: «يمكنك إنتاج مسلسل في 30 يوماً، بينما يستغرق الأمر نفسه في هوليوود عامين»، متسائلاً: «أين يكمن المستقبل؟»
ظهرت هذه المسلسلات «العمودية» في الصين في العقد الثاني من القرن الحالي، وسرعان ما جذبت شركات كبرى بفضل انتشارها الواسع وتكلفتها المنخفضة.
وباتت تُشكّل صناعة تُقدّر قيمتها بثمانية مليارات دولار.
– ظاهرة موسيقية مثيرة للجدل.. مغنو الراب في ألمانيا يدعون لانسحاب إسرائيل من غزة
– عودة روبن هود.. مسلسل جديد يروي قصة المناضل الاجتماعي بتأصيل تاريخي
– ريتشارد لينكليتر.. الذكاء الصناعي لن يصنع أفلاماً أبداً
في الولايات المتحدة، تُهيمن على هذا النوع منصات تتمتع بحضور قوي في آسيا، مثل «ريلشورت» ReelShort و«درامابوكس» DramaBox و«فليرفلو» FlareFlow، وقد وظفت هذه المنصات آلاف الممثلين والمخرجين الذين يواجهون صعوبة في إيجاد فرص عمل في هوليوود.
يقول الممثل زاكاري شادرين خلال لقاء مع وكالة فرانس برس في موقع التصوير: «أؤمن إيماناً راسخاً بأن هذا هو المستقبل».
أبدى شادرين، على غرار العديد من أقرانه في لوس أنجليس، تشككاً بهذا النوع الجديد من الإنتاجات في بادئ الأمر.
ولهذا الموقف دوافعه، إذ إن للمسلسلات الدرامية العمودية سمعة سيئة بسبب وتيرة التصوير المكثفة التي لا تتجاوز أحياناً خمسة أيام، وبسبب مواضيعها التي تتركز على العلاقات السامة وأبطالها الذكور العنيفين.
يقول زاكاري شادرين: «شخصياً، أجد هذه الأعمال سلبية».
مع ذلك، وافق الممثل على المشاركة في بطولة مسلسل «Love Through All Seasons» «الحب عبر كل الفصول» على منصة «فليرفلو»، وهو كوميديا رومانسية تدور حول فارق السن.
يوضح شادرين: «هذا ليس النوع من الأعمال التي اعتدت مشاهدتها في هذا النسق من المسلسلات»، مضيفاً أنه يأمل أن تتحسن جودة النصوص.
وقال ممثلون كثر ظهروا مؤخراً في هذه المسلسلات لوكالة فرانس برس إنهم فوجئوا بالاحترافية في موقع التصوير.
ومن بين هؤلاء، يوضح الممثل نيكولاس ماكدونالد: «نسخر أحياناً من بعض الجمل السخيفة للغاية، لكن الجميع يدلي بدلوه ويحافظ على احترافيته، لأن الأمر يدرّ أموالاً».
يقول منتجو هذا النسق من الأعمال إنهم لا يسعون إلى منافسة منصات عملاقة مثل «اتش بي أو» أو «نتفليكس»، بل يحاولون تقديم أعمال تلقى رواجاً على «تيك توك» و«يوتيوب» و«إنستغرام».
يقوم نموذج عمل هذه المنصات على مبدأ بسيط، إذ تُطرح الحلقات القصيرة الأولى مجاناً، ثم يُدعى المشاهدون إلى الدفع لمشاهدة الباقي.
قطاع مزدهر
من هنا، ينبغي لكل حلقة أن تحمل قدراً كبيراً من التقلبات لإبقاء المشاهدين في حالة ترقب، من خلال حبكات بسيطة تعتمد عادة على الكليشيهات.
يوضح مخرج «الحب عبر كل الفصول» ويانغ لي: «يمكن للجمهور أن يُعجب بالمسلسل فوراً من دون الحاجة إلى التفكير كثيراً». ويضيف: «الجميع مُنهك من الحياة».
يدقّق المنتجون بشكل خاص في البيانات المرتبطة باهتمامات الجمهور ونِسب المتابعة لديهم لتحديد الصيغ الناجحة، ما يسمح لهم بإنتاج عشرات المسلسلات المماثلة في غضون أشهر قليلة.
غالباً ما يبدأ التصوير حتى قبل الانتهاء من كتابة النصوص، التي تكون أحياناً مستوحاة من النسخ الصينية ومطوَّرة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وفق كاتب السيناريو في «فليرفلو» تشو تشي يوان.
يُقلّل العرض العمودي المصمَّم لشاشات الهواتف الذكية التكاليف بشكل أكبر من خلال إحكام الإطار حول الممثلين، ما يُقلّل الحاجة إلى مواقع التصوير وطاقم العمل.
وفي حين أن المسلسلات العمودية لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في آسيا، فإن الأسواق الأميركية والأوروبية المزدهرة تدرّ أرباحاً أكبر.
بعد إغلاق الاستوديوهات بسبب جائحة كوفيد والإضرابات ونقل الإنتاج إلى الخارج، أصبحت هذه المسلسلات جذابة بشكل خاص لهوليوود.
يوضح نيكولاس ماكدونالد أن 80% من تجارب الأداء التي شارك فيها في الآونة الأخيرة مخصّصة لهذا النوع من البرامج، ويقول: «لم أعد بحاجة إلى العمل في وظائف أخرى بدوام جزئي، وبات في استطاعتي التفرغ للتمثيل… إنه أمر رائع».
في وقت تُغلق فيه الاستوديوهات أبوابها وتنتقل الإنتاجات إلى الخارج، قد تكون «الدراما العمودية» هي المنقذ غير المتوقع لهوليوود.
قد لا يكون المستقبل أفقيًا كما عهدناه، بل «عموديًا» يتناسب مع شاشات هواتفنا.
