بين القانون والسياسة.. قرار المحكمة الدستورية يجدد النقاش حول تداخل السلطات في ليبيا
بين القانون والسياسة.. قرار المحكمة الدستورية يجدد النقاش حول تداخل السلطات في ليبيا
القاهرة – بوابة الوسط الخميس 06 نوفمبر 2025, 11:13 صباحا
أثار قرار المحكمة الدستورية العليا إعادة دعاوى وطعون محجوزة للحكم أمام الدائرة الدستورية بمحكمة النقض (المحكمة العليا) إلى المرافعة من جديد، الجدل حول توازن السلطات وحدود صلاحياتها في المرحلة الانتقالية، وسط تباين واضح بين من يرى في الخطوة محاولة لإحياء المسار الدستوري وتعزيز الشرعية القانونية، ومن يعتبرها تجاوزًا للصلاحيات قد يفتح الباب أمام تعميق الانقسام المؤسساتي.
ورصدت حلقة أمس الأربعاء لبرنامج «وسط الخبر» المذاع على قناة الوسط «WTV» المواقف القانونية والسياسية المختلفة حول الأمر، حيث تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى مشروعية هذه الخطوة، ومدى توافقها مع الإعلان الدستوري القائم، في ظل غياب دستور دائم وتأخر مسار الاستفتاء عليه، والحديث حول غياب مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقانونية في ليبيا.
تاريخ المحكمة الدستورية
أكد المستشار سالم الشريف، رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، أن الحديث عن المحكمة الدستورية في ليبيا يستوجب العودة إلى بعض المحطات التاريخية المهمة في مسار القضاء الدستوري بالبلاد.
وأوضح الشريف أن المحكمة العليا تأسست للمرة الأولى سنة 1951، لكنها لم تُنشأ كمحكمة اتحادية عليا إلا في 10 نوفمبر 1953 بموجب قانون المحكمة الاتحادية العليا، لتؤدي في آن واحد دور المحكمة الدستورية ومحكمة النقض. وأضاف أن رقابة المحكمة في تلك المرحلة كانت رقابة سابقة، تُمارس على مشروعات القوانين قبل إصدارها ونشرها، لضمان توافقها مع أحكام الدستور.
وتابع الشريف أن المحكمة أعيد تنظيمها سنة 1969 بعد إلغاء العمل بدستور عام 1951 من قِبل النظام السابق، حيث جرى تنظيمها بموجب قرار مجلس قيادة الثورة. ثم صدر القانون رقم 6 لسنة 1982 لإعادة تنظيم المحكمة العليا، قبل أن يُدخل القانون رقم 17 لسنة 1994 تعديلًا جوهريًا أضاف الاختصاص الدستوري رسميًا إلى مهام المحكمة، ليُعزز دورها في مراقبة دستورية القوانين والتشريعات.
المرحلة لا تحتمل تأسيس جهات قضائية جديدة
وقالت الدكتورة ابتسام بحيح، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، إن مسألة إنشاء المحاكم وتنظيم النظام القضائي برمته تُعد «شأنًا دستوريًا بامتياز»، موضحةً أن الدستور هو المرجعية التي تحدد صلاحيات وسلطات الدولة، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية.
وأضافت بحيح أن تعطل العمل بالدستور الليبي جعل من الصعب الحديث بجدوى عن الإطار الدستوري أو عن «الأيدي الخفية التي تلاعبت به»، معتبرة أن أي نقاش حول النظام القضائي لا يمكن فصله عن الإطار الدستوري الذي ينظمه، مؤكدة أن السلطة التشريعية، لا سيما في المرحلة الانتقالية، يجب أن تلتزم بحدود واضحة لا تتجاوزها، لأن هذه المرحلة لا تمنحها صلاحيات السلطة الدائمة في إرساء بنى قضائية أو دستورية جديدة.
وفي معرض ردها على سؤال حول ما إذا كانت خطوة مجلس النواب الأخيرة تُعد تدخلًا في الشأن القضائي، أوضحت بحيح أن السلطة التشريعية كان ينبغي أن تُمارس دورها الدستوري في وقت سابق، خصوصًا عند إغلاق الدائرة الدستورية، مشيرة إلى أن ميزان العدالة في ليبيا «لا يستقيم إلا بعودة المرجعية الدستورية إلى مسارها الصحيح».
مجلس النواب يملك «اختصاص التأسيس»
من جانبه، أكد الباحث القانوني والمختص في الشأن السياسي عبدالله الديباني أن موقفه من التطورات الجارية لا يأتي في سياق الدفاع عن مجلس النواب، وإنما انطلاقًا من قراءة قانونية بحتة لما يتيحه الإعلان الدستوري من صلاحيات.
وأوضح الديباني أن مجلس النواب، بوصفه السلطة التشريعية في مرحلة انتقالية، يمتلك ما يُعرف بـ«الاختصاص التأسيسي» الذي يتيح له تعديل الإعلان الدستوري باعتباره «دستور الدولة الموقت». وأضاف أن هذا النهج لم يكن جديدًا، إذ سبق للسلطات التشريعية المتعاقبة — من المؤتمر الوطني العام إلى مجلس النواب الحالي — أن أجرت تعديلات متكررة على الإعلان الدستوري، بلغ عددها نحو 13 تعديلًا حتى الآن.
– «وسط الخبر» يناقش: خطوة المحكمة الدستورية.. هل تُعيد الشرعية أم تعمّق الأزمة؟
– «الدستورية العليا» تقرر إعادة الدعاوى المحجوزة للحكم أمام «المحكمة العليا» إلى المرافعة مجددًا
– حماد: الدائرة الدستورية ملغاة وما تصدره «هو والعدم سواء».. وبيانات «الرئاسي» لا أثر لها
– المنفي: نرحب بحكم عدم دستورية قانون الجريدة الرسمية.. وسنشكل لجنة لمراجعة قوانين «النواب»
– «الدستورية» في خطاب إلى تيتيه: الحديث عن وجود مؤسستين قضائيتين «غير مقبول»
وأشار إلى أن من الاختصاصات الأصلية للسلطة التشريعية أيضًا تعديل القوانين والتشريعات المنظمة للدولة، مؤكدًا أن ما قام به مجلس النواب مؤخرًا، سواء في القانون القضائي أو في إنشاء المحكمة الدستورية، لا يتعارض مع أحكام الإعلان الدستوري، ولا يوجد ما يمنع أو يبطل هذه الخطوة من الناحية القانونية.
واعتبر الديباني أن الهدف من هذه الإجراءات يتمثل في تطوير القضاء المتخصص داخل ليبيا، مشددًا على تأييده لفكرة القضاء المتخصص في مجالات محددة، على غرار ما هو معمول به في النظام الإداري المصري الذي يشرف عليه مجلس الدولة المختص بالقضايا الإدارية.
«النواب» يملك صلاحية إلغاء أو تعديل القوانين
في حين رأى أستاذ القانون الخاص بكليات القانون راقي المسماري، أن النقاش حول تنظيم المحاكم ونظام القضاء في ليبيا يجب أن يُقرأ من أكثر من زاوية، موضحًا أن الأصل أن تكون هذه المسائل من الاختصاصات الدستورية، إلا أن الوضع القائم في البلاد مختلف، نظرًا لغياب الدستور الفاعل واعتماد العمل حاليًا على القانون رقم (6) لسنة 1982 المنظم للمحكمة العليا.
وأضاف المسماري أن مجلس النواب، بوصفه السلطة التشريعية، يمتلك كامل الصلاحيات في التعامل مع القوانين، سواء عبر الإلغاء أو التعديل أو الإضافة أو الحذف، معتبرًا أن هذا من صميم وظيفة السلطة التشريعية في أي دولة.
وأشار إلى أن مجلس النواب، على الرغم من كونه سلطة انتقالية، إلا أنه ظل على رأس المؤسسة التشريعية في ليبيا لأكثر من أحد عشر عامًا، وهي فترة شهدت تحديات متعددة على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والتنموية، ما فرض عليه، بحسب المسماري، أن يتعامل مع «ضرورات واقعية» تستوجب ممارسة سلطاته التشريعية بصورة كاملة.
وشدد أستاذ القانون على أن هذه المتطلبات تملي على مجلس النواب «التحرك في كل ما يتعلق بتنظيم شؤون الدولة»، بما في ذلك المنظومة القضائية، في ظل غياب الإطار الدستوري الدائم.
