بين المطالبة بالحماية والدعوة للإفراج.. إلى أين تتجه أموال ليبيا المجمّدة؟
بين المطالبة بالحماية والدعوة للإفراج.. إلى أين تتجه أموال ليبيا المجمّدة؟
القاهرة – بوابة الوسط الأربعاء 05 نوفمبر 2025, 08:06 مساء
تواصل قضية الأموال الليبية المجمدة في الخارج منذ أكثر من أربعة عشر عامًا إثارة الجدل بين الأوساط السياسية والاقتصادية، بوصفها واحدة من أعقد الملفات التي تواجه الدولة الليبية في ظل الانقسام السياسي والمؤسسي المستمر.
وقد ظلت هذه الأرصدة، التي تُقدّر بمليارات الدولارات، رهينة قرارات التجميد الصادرة عن مجلس الأمن منذ العام 2011، وسط مطالبات محلية ودولية بإعادة النظر فيها، خصوصاً مع التحركات الأخيرة التي يقودها مجلس النواب الليبي بنيويورك، في محاولة لإحياء هذا الملف عبر اتصالات مع دول أعضاء في مجلس الأمن، بهدف الحصول على دعم دولي لمبادرة جديدة تقضي بـ«حماية تلك الأصول وتنميتها لمصلحة الشعب الليبي».
لكن بين دعوات الإفراج عنها ومخاوف ضياعها أو نهبها، يبقى السؤال الأبرز مطروحا: هل آن الأوان لرفع التجميد عن الأموال الليبية أم أن الوقت لم يحن بعد؟
الأموال المجمدة.. بين الحاجة والمخاطر
من جهته، قال الخبير المصرفي فوزي ددش إن مشكلة الأموال المجمدة تمثل أحد «أخطر الملفات» الاقتصادية التي تواجه ليبيا، مؤكداً أن «هذه المبالغ لو كانت موجودة في الداخل لجرى توظيفها في أنشطة تنموية تعود بالنفع على المواطن».
وأضاف ددش في حديثه لبرنامج «وسط الخبر» على «قناة الوسط» (Wtv): «الانقسام السياسي وغياب حكومة موحدة وعقلية سياسية واعية تدرك مخاطر المرحلة وتعرف قيمة المال والفساد، كلها عوامل أربكت المشهد، وجعلت هذه الأموال رهينة لدى بعض الدول والمراسلين في الخارج».
وشدد على أن ليبيا والأجيال القادمة بحاجة لهذه الأموال، معتبراً أن الوقت الحالي غير مناسب لرفع التجميد، وقائلاً: «ينبغي أن تظل هذه الأموال مجمدة إلى حين تشكيل حكومة موحدة تمتلك رؤية اقتصادية واضحة وقدرة على التغيير، لأن أي تحرك نحو الإفراج عنها الآن قد يفتح الباب أمام الفساد والاحتكار والمصالح الشخصية».
– لجنة الأموال المجمدة بـ«النواب» تطالب بسرعة تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن الأصول الليبية ومراجعتها
– لجنة الأموال المجمدة بـ«النواب» تقدم مقترحات لـ«الخبراء الأمميين» حول منظومة العقوبات
خلفيات تاريخية ومعطيات سياسية
أما رئيس مجموعة العمل الوطني، خالد الترجمان، فقد استعاد البدايات الأولى لقضية الأموال المجمدة، قائلاً إن هذا الملف «انطلق منذ تأسيس المجلس الوطني الانتقالي في 2011»، ومشيراً إلى أنه كان أمين سر المجلس آنذاك، وشهد تفاصيل الخلافات حول تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي.
وقال الترجمان لـ«قناة الوسط»: «حينها جرى ترشيح الصديق الكبير على الرغم من اعتراض بعض الأعضاء بسبب قضايا مالية سابقة، لكن السفير البريطاني في بنغازي نصح بتكليفه نظراً لعلاقاته الدولية، أملاً في أن يستثمرها لملاحقة الأموال المهربة من النظام السابق، والتعامل مع مسألة الأموال المجمدة، لتوفير سيولة للمجلس الانتقالي».
وأوضح الترجمان: «هذه الوعود لم تتحقق، وظلت الأموال على حالها مجمدة، بينما تصاعدت حالة الانقسام السياسي والمؤسسي، ما جعل الملف يتجمد بدوره في دوائر البيروقراطية الدولية».
انقسام مؤسسي يعطل الحل
من جهته، رأى رئيس تحرير جريدة «مال وأعمال»، إبراهيم السنوسي، أن الحديث عن رفع التجميد في الظروف الحالية بعيد عن الواقعية، موضحاً أن الانقسام المؤسسي داخل الدولة الليبية، خصوصا على مستوى المؤسسة الليبية للاستثمار، يجعل أي خطوة باتجاه الإفراج عن الأموال محفوفة بالمخاطر.
وقال السنوسي في مداخلة أيضا مع برنامج «وسط الخبر» على «قناة الوسط»: «نعاني انقساما مؤسسيا واضحا، حيث لدينا مؤسسة استثمار في المنطقة الشرقية وأخرى في طرابلس، وكلٌّ منها تدّعي الشرعية. وبالتالي، لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة مالية أجنبية أن تتعامل مع طرفين في آن واحد».
وأضاف أن بعض الدول التي تستضيف الاستثمارات الليبية تتعامل مع المؤسسة المعترف بها دوليا في طرابلس، «سواء كانت تلك الاستثمارات العالية المخاطر، مثل الأسهم والسندات وغيرها، أو أصول متمثلة في الفنادق واستثمارات ترفيهية واستثمارات زراعية، المتنوعة في دول عدة بأفريقيا وأوروبا». لكنه يرى أن «حالة عدم الاستقرار السياسي تجعل من الصعب عملياً رفع التجميد في الوقت الراهن».
الشبلي: لا لرفع التجميد الآن
أما رئيس حزب «صوت الشعب»، فتحي الشبلي، فقد اتخذ موقفًا حاسمًا، مؤكدًا أنه «يجب عدم رفع التجميد عن الأموال الليبية حالياً»، ومحذراً من أن أي خطوة متسرعة قد تؤدي إلى ضياع تلك الأرصدة. وقال: «نحن نتحدث عن الأموال المجمدة ولا نتحدث عن الأموال المهربة أو العقارات ومن يمتلكها، ولا عن الاستثمارات الليبية خارج ليبيا، التي عمومها في الوطن العربي وأفريقيا».
ولفت الشبلي «قناة الوسط» إلى مسألة التعتيم على حجم الأموال المجمدة، فـ«بين من يقول إنها 200 مليار، ومن يقدرها بـ70 أو 37 مليارا، تبقى الحقيقة غائبة. نعلم أن في بريطانيا وحدها 11.5 مليار جنيه إسترليني، وفي الولايات المتحدة 43 ملياراً، وفي سويسرا فوائد بلغت 5 مليارات نُهبت بالفعل».
كما أشار إلى أن بعض الأموال في جنوب أفريقيا «لا يعرف أحد قيمتها»، منتقداً الحكومات الليبية المتعاقبة التي «تعاملت مع الملف بعشوائية، وسمحت بعمولات وصلت إلى 35% لمن يسعى لاستعادة الأموال، وكأنها أموال أيتام». وختم بقوله: «نطالب لجنة العقوبات في مجلس الأمن الدولي بعدم الإفراج عن أي مبالغ إلا بعد تشكيل لجنة دولية تُشرف على مراجعة الأموال الليبية المجمدة».
