هل تنجح المبادرة اليونانية في ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها مع ليبيا وتركيا؟
هل تنجح المبادرة اليونانية في ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها مع ليبيا وتركيا؟
القاهرة – بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الأحد 02 نوفمبر 2025, 01:34 مساء
تحدثت شبكة «يوراكتيف» الأوروبية عن عقبات عدة تجعل من الصعب في الوقت الراهن حل النزاعات في منطقة شرق البحر المتوسط، المتعلقة بترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة، وهي المناطق المتنازع عليها بين ليبيا وتركيا من ناحية، واليونان وقبرص من ناحية أخرى.
وعلقت الشبكة الأوروبية، في تقرير نشرته أمس السبت، على إعلان رئيس الحكومة اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، نيته تنظيم اجتماع متعدد الأطراف، يشمل ليبيا وتركيا وقبرص ومصر، إلى جانب أثينا، لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة والهجرة والأمن.
وأوضحت أن حل النزاع في شرق المتوسط قد يتطلب من ليبيا أو تركيا أو كليهما التخلي عن مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بالعام 2019، وهي المذكرة التي تتمسك بها الدولتان بوصفها أساسا للمطالب بترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط. كما رأى التقرير أن وجود شركات الطاقة الأميركية في المنطقة، وأبرزها «شيفرون» التي تعمل بموجب ترخيص من أثينا، يبعث رسالة إلى ليبيا وتركيا بانحياز أميركي إلى الموقف اليوناني.
– تضم ليبيا.. «كاثمريني»: واشنطن تسعى إلى عقد محادثات رباعية في شرق المتوسط
– على الرغم من معارضة ليبيا.. اليونان تمنح 4 مناطق بحرية في «المتوسط» لتحالف «شيفرون»
– اليونان تقترح مبادرة للتعاون الإقليمي مع ليبيا ومصر وتركيا وقبرص
لهذا، أشار التقرير الأوروبي إلى «تعقيد وهشاشة الوضع الجيوسياسي في منطقة شرق البحر المتوسط، مما يجعلها المنطقة الأكثر حساسية في العالم»، لافتا إلى تفاؤل محدود بنجاح المقترح الذي أعلنه رئيس الحكومة اليونانية.
مؤتمر متعدد الأطراف
قد أوضح ميتسوتاكيس، في جلسة سابقة أمام البرلمان اليوناني، نيته عقد مؤتمر يجمع مصر وتركيا وليبيا وقبرص، بهدف بحث حلول مشتركة للنزاعات والخلافات الطويلة الأجل حول ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وهي المنطقة الحيوية لأنشطة استشكاف والتنقيب عن احتياطات النفط والغاز الطبيعي.
ولطالما أظهرت الولايات المتحدة اهتماما كبيرا بضمان استقرار هذه المنطقة، بحسب التقرير، لضمان حماية الاستثمارات الضخمة لشركات الطاقة الأميركية هناك. وبالنسبة إلى أوروبا، فإن الرهانات أعلى، حيث توفر المنطقة موارد محتملة للطاقة يمكن أن تساعد الاتحاد الأوروبي في تحقيق هدف الاستقلالية الاستراتيجية.
حلول معقدة
غير أن «يوراكتيف» الأوروبية رأت حل كل النزاعات في منطقة شرق المتوسط لن يكون سهلا، على الرغم من توقيع جميع الدول، باستثناء تركيا، على قانون الأمم المتحدة للبحار.
يتمحور النزاع الرئيسي حول عدد من الجزر، التي يتراوح عددها بين 3 و4 آلاف جزيرة في شرق المتوسط، بينها 300 جزيرة فقط مأهولة بالسكان، وما إذا يحق لتلك الجزر المطالبة بمناطق اقتصادية خالصة تخولها باسكتشاف واستغلال موارد الطاقة.
وفي حين ينص قانون الأمم المتحدة لأعالي البحار على أحقية تلك الجزر في استكشاف موارد الطاقة، شريطة أن تكون مأهولة بالسكان، ترفض تركيا هذا التفسير، لأنه يعزز ما تسميه «الترسيم العادل» للمناطق البحرية استنادا إلى مبادئ الجغرافيا العامة.
وترى أنقرة أن الجزر اليونانية الصغيرة القريبة من سواحلها، مثل جزيرة كاستيلوريزو، لا ينبغي أن تولد تلقائيًا مناطق اقتصادية خالصة، لأن ذلك سيؤدي إلى تقليص مساحة تركيا البحرية بشكل «غير عادل». وبدلاً من ذلك، تقترح تركيا رسم الحدود تقريبًا على طول منتصف بحر إيجه، ومنح حقوق المنطقة الاقتصادية الخالصة بالكامل للبر الرئيسي اليوناني فقط.
على النقيض من ذلك، ترى اليونان أن تلك الجزر تتمتع بالحقوق نفسها التي تتمتع بها الدول بموجب القانون الدولي، وتصر على ترسيم الحدود البحرية بين الجزر اليونانية الواقعة في أقصى الحدود والساحل التركي.
ولتعزيز موقفها، وقعت تركيا مذكرة تفاهم بحرية بالعام 2019 مع السلطات الليبية، وهو الاتفاق الذي ترفضه أثينا، وهو الموقف الذي اتخذته أيضا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر.
تحول جذري في ليبيا
داخل ليبيا، أشار التقرير إلى تعقد الموقف الداخلي فيما يتصل بمذكرة التفاهم البحرية، لافتا إلى رفض مجلس النواب في الشرق التصديق على مذكرة التفاهم مع أنقرة.
غير أن تقارير حديثة، أوردتها الصحافة اليونانية، قد تحدثت عن نية مجلس النواب في بنغازي إعادة النظر في مذكرة التفاهم البحرية، والتصديق عليها بعد تحسن العلاقات مع أنقرة.
وقال تقرير «يوراكتيف»: «هذا التحول الجذري من شأنه تعقيد النزاع بشكل أكبر في شرق المتوسط، لأن عندها ستحظى مذكرة التفاهم بدعم أوسع نطاقا في ليبيا، مما سيزيد الضغط على اليونان».
محاولات متكررة
ليست المرة الأولى التي تحاول فيها دولة أوروبية كسر الجمود في منطقة شرق المتوسط، إذ أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة مماثلة في ديسمبر العام 2020، لكنها لم تسفر عن أي نتائج تذكر، مما يقوض آمال المحللين بشأن نجاح مبادرة اليونان.
وتتمثل إحدى العقبات الرئيسية في رفض تركيا التعامل مع قبرص، التي لا تعترف بها. وهنا قال الباحث البارز في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية، جورج تزوجوبولوس: «إذا قبلت تركيا مشاركة جمهورية قبرص في منتدى متعدد الأطراف لشرق البحر الأبيض المتوسط، فسيمثل ذلك تحولاً واضحاً عن موقفها التفاوضي الرئيسي».
وفي حين رأى الخبير في العلاقات الدولية، كوستاس إيفانتيس، أن سعي اليونان لإجراء مفاوضات متعددة الأطراف «أمر منطقي» بالنظر إلى فشل المحادثات الثنائية بين الأطراف الإقليمية في التوصل إلى حل، أشار إلى وجود عديد من العقبات قد تفشل المفاوضات برمتها.
وقال إن نجاح المبادرة يتطلب تخلي ليبيا أو تركيا عن مذكرة التفاهم البحرية. وأضاف في تصريح إلى «يوراكتيف»: «لكي تتقدم هذه المبادرة، سيتعين على ليبيا أو تركيا أو كليهما التخلي عن اتفاقهما الثنائي غير الواقعي. وبالطبع، سيتعين على تركيا على الأقل التسامح مع وجود قبرص، إن لم يكن الاعتراف بها. في الوقت الحالي، من الصعب تصور كيف يمكن أن يحدث ذلك».
الموقف الأميركي
فيما يتصل بموقف الولايات المتحدة، أوضح تقرير «يوراكتيف» أن واشنطن لم تقبل رسميا المبادرة اليونانية، على الرغم من اهتمامها الكبير بالمنطقة.
لكن خبير العلاقات الدولية إيفانتيس يرى أن وجود شركات الطاقة الأميركية، أمثال «شيفرون» و«إكسون موبيل»، ومشاركتها في مشاريع استكشاف وتنقيب ضخمة في شرق المتوسط وجنوب جزيرة كريت، يبعثان رسالة مهمة إلى ليبيا وتركيا، قد تعكس انحياز واشنطن صوب الموقف اليوناني.
وقال: «وجود شركات الطاقة الأميركية في المنطقة أمر في غاية الأهمية، ولا ينبغي التقليل من شأنه»، موضحا: «ذلك يبعث رسالة إلى ليبيا وتركيا بأن الولايات المتحدة تشاطر اليونان نهجها فيما يتعلق بالمناطق الاقتصادية الخالصة».
