وضحى الغريبي تكتب قصائد بصرية في ملامح الذاكرة

وضحى الغريبي تكتب قصائد بصرية في ملامح الذاكرة

الشارقة: رضا السميحيين

يعرف عن الفن التشكيلي قدرته الفريدة على حمل التعبير الرمزي عن الذاكرة، ويوفر للفنان منصة للتفاعل مع التحولات الثقافية عبر اللغة البصرية، لتبرز هذه القيم بوضوح في اللوحات المستلهمة من عناصر التراث، لتتجسد فيها ثراء الموروث المحلي وقيم المجتمع وتحدياته، ولقد برز هذا الحضور الرمزي في الحركة التشكيلية الإماراتية، حيث اجتهد الفنانون في توظيف الزخرفة، الخط العربي، إلى جانب رمزية المرأة كمحور للهوية.

في اللوحة التي أمامنا، للفنانة وضحى الغريبي، والتي تدعو المشاهد لتأمل الذاكرة الجمعية للمرأة الإماراتية والمجتمع المحلي من خلال معالجات رمزية متداخلة، تمثلت في الواجهة الأولى للعمل والتي تهيمن عليها صورة امرأة ترتدي البرقع التقليدي، يتوسط وجهها اللوحة مفعماً بالحضور والقوة، في إيماءة تؤكد مركزية المرأة في حياة المجتمع ليس فقط اجتماعياً بل رمزياً وتاريخياً أيضاً.

جماليات

تتسم لوحة الفنانة وضحى الغريبي، بجماليات تكوين بصرية متداخلة، تعكس حضور المرأة الإماراتية في فضاء فني مفعم بالحركة واللون، وتعتمد الفنانة في بناء لوحتها على عناصر من البيئة المحلية، حيث يظهر الأفق العمراني التقليدي مع الزخارف والأقواس، في خلفية زاخرة بتدرجات لونية مثل الأزرق والأصفر والبرتقالي، وهذه الحركية اللونية تمنح العمل طاقة تعبيرية عالية وتضفي عليه نبض الحياة والمكان.

يتوسط التكوين الفني وجه المرأة المنبثق بقوة من قلب اللوحة، يرتدي البرقع الإماراتي ليصبح مركز الإيحاء وإشارة إلى أصالة المجتمع وتاريخه، بينما تستخدم الفنانة الخط العربي بزخرفته وانسيابيته لخلق تداخل بين اللغة البصرية والبناء الروحي للثقافة المحلية، هذه العناصر التكوينية وظفتها الفنانة مع أسلوب البناء الطبقي لتمنح كل طبقة من اللوحة بعداً وهمياً، يدفع المتلقي للغوص في تفاصيل العمل باحثاً عن الرابط بين الزمان والمكان والذاكرة.

مكانة جوهرية

تستحضر الفنانة حضور المرأة البصري بأبعاد كبيرة تعكس مكانتها الجوهرية في بناء الثقافة الإماراتية، فالبرقع هنا يعبر عن فكرة الأمان والانتماء، في حين يحمل العمق المعماري للمدينة خلف المرأة دلالات الاستمرارية والاتصال بالتاريخ المحلي وبصورة مدهشة أضفى الخط العربي حضوراً للبعد المعرفي والثقافي للمرأة، بالإضافة إلى دوره الجمالي، الذي يدمج بين الفن البصري وتقاليد الحرف العربي وبذلك تصبح اللوحة مجالاً لإعادة صياغة الذاكرة الشعبية عبر رموز متداخلة بين الواقع والمتخيل، يتجلى فيها الصراع بين الحداثة والتقاليد، فنرى أن البناء الجمالي يلتقي مع البناء الرمزي ليخلق رسالة بصرية تربط بين الحاضر والماضي وتحتفي بدور المرأة، لتصبح اللوحة بمنزلة توثيق بصري للتحولات الاجتماعية وتلتقط نبض الهوية الأصيلة.

تجريد

تمثل الخلفية في لوحة الفنانة الغريبي مساحة حيوية مشبعة بتدرجات لونية مدروسة بعناية، تستمد فيها رموزاً من البيئة والعمران الإماراتي وعناصر زخرفية مثل الأقواس البراجيل، هذا التجريد العمراني يتداخل مع التكوين العام للوحة ليعكس الحراك التاريخي والمعرفي للدولة ويمنح العمل قدرة على المحاكاة لطبقات الذاكرة بين الحاضر والماضي، كما أن التداخل في عناصر الخلفية خلق نوعاً من الحوار بين الاستمرارية التاريخية والانفتاح على الحداثة، ما يجعلها خلفية تدفع المتلقي لإعادة تأمل عناصر المجتمع من خلال تفاصيلها وثرائها التشكيلي.

رسائل رمزية

تقدِّم لوحة وضحى الغريبي مثالاً لقوة الفن التشكيلي الإماراتي في حمل الرسائل الرمزية، والتعبير عن قضايا الهوية والمرأة والذاكرة، بطريقة تجمع بين الحضور البصري العميق والشحنة الثقافية الغنية، ويظهر من خلالها قدرة الفنانين والفنانات الإماراتيين على ربط القديم بالجديد، وعلى قراءة المجتمع وتحولاته بلغة الفن، ليبقى الفن التشكيلي إحدى أقوى أدوات التعبير الرمزي في الثقافة الإماراتية.

إضاءة

الدكتورة وضحى حمدان الغريبي فنانة تشكيلية وكاتبة إماراتية، درست الرسم والتصوير الفني في جامعة حلوان المصرية، تهتم في أعمالها بجمع الأصالة بالمعاصرة وتوظيف مفردات التراث والعمران والبيئة المحلية، مع التركيز على حضور المرأة والهوية في المشهد البصري، صدر لها كتاب بعنوان «التنوع الثقافي في المشهد الفني الإماراتي المعاصر»، وشاركت في معارض وملتقيات عربية وعالمية.