التهديد النووي ومصير العالم | محمد خليفة

محمد خليفة
لا تزال القنبلة النووية، التي مضى عليها 80 عاماً، تلقي بظلالها السوداء ليس على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين فقط، بل على البشرية ومحبي السلام جميعاً، إن المتأمل في القنبلة النووية وآثارها سرعان ما يدرك أنها لا تدمر البشر فقط، بل تهدد كذلك كل الكائنات الحية على وجه الأرض. فحرارة الطاقة النووية تحرق الأخضر واليابس، أما شعاعها فيخترق أنسجة الجسم ويلتهم النخاع.
وقعت تلك المأساة في السادس من شهر أغسطس (آب) العام 1945 عندما صدرت الأوامر للعقيد الطيار بول تيبيتس قائد مجموعة الطائرات بالقيام بقذف مدينة هيروشيما بالقنبلة الذرية وألقيت القنبلة عليها فدمرتها تدميراً يكاد يكون تاماً، أما عدد القتلى فبلغ 100 ألف، ثم إن الطيار الذي ألقى القنبلة الذرية ما كاد يشاهد هول جحيمها حتى صاح مرعوباً «يا إلهي، ما الذي فعلته؟».
ليس هناك اليوم، أشد قسوة على العالم، من تهديد السلاح النووي، فهذا السلاح خرج من دهاليز العلم لتدمير البشرية وتحول إلى كابوس يقضّ مضاجع الشعوب في بقاع الأرض، فقد وضعت الولايات المتحدة يدها على الابتكار العلمي الذي جاء به العالمان الألمانيان، هان وستراسمان، حيث تمكنا من تفجير ذرة اليورانيوم الثقيلة في معجّلات الطاقة، غير أن الولايات المتحدة لم تجنح بهذا الكشف العلمي العظيم نحو الاستخدام بما ينفع الشعب الأمريكي والعالم، بل اتجهت، من خلال جوقة من علماء الفيزياء إلى الاتجاه الخاطئ وهو صنع قنابل ذرية، فكان «مشروع مانهاتن» الذي أدى إلى صنع القنبلة الذرية والتي استخدمت لضرب اليابان وقد عرف العالم مخاطر هذا السلاح بعد حصول تلك الكارثة.
ورغم أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق قد صنعا عدة آلاف من تلك القنابل والرؤوس النووية بمسمياتها المختلفة، لكنهما اتفقا أخيراً على الاتجاه نحو التخلص من هذا السلاح من قبل الطرفين، فكانت معاهدة «ستارت» الأولى التي تم توقيعها 1991 وجاءت «ستارت» الثانية، ثم معاهدة ستارت الجديدة هي آخر اتفاقية متبقية للاستقرار النووي بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي تقيّد عدد الأسلحة النووية المنشورة لدى كلا الجانبين وتنص على تبادل مستمر للبيانات، بالإضافة إلى قناة اتصال سرية ومهنية بين الحكومتين.
وعلى الرغم من أن معاهدة ستارت الجديدة سارية المفعول حتى شهر فبراير (شباط) من العام المقبل، لكن روسيا أعلنت عام 2023 تعليق المشاركة في تلك الاتفاقية على خلفية الأحداث والتطورات في الحرب الروسية الأوكرانية. وجاء ذلك رداً على احتمالية قيام الولايات المتحدة بإجراء بعض التجارب النووية وفي تطور قد يفتح أبواب الجحيم النووي على مصراعيها، فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه أمر بنقل غواصتين نوويتين إلى «المناطق المناسبة»، رداً على تهديدات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف، الذي هاجم ترامب، لتقصيره الإطار الزمني الذي حدده لروسيا، لإحراز تقدم نحو السلام مع أوكرانيا وإنه مستعد لفرض عقوبات أخرى على روسيا إذا لم تمتثل، وكتب ميدفيديف في منشور على منصة «إكس»: «ترامب يلعب لعبة الإنذار مع روسيا، عليه أن يتذكر أمرين: أولهما، أن روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران وثانيهما، كل إنذار جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب، ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل بين روسيا والولايات المتحدة».
وقد وصف بعض المحللين الأمنيين خطوة ترامب بأنها تصعيد خطابي مع موسكو وليس بالضرورة تصعيداً عسكرياً، نظراً لأن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل غواصات نووية منتشرة في أعماق المحيطات والبحار، وقادرة على ضرب روسيا. فالغواصات النووية الأمريكية -وهي جزء مما يسمى بالثالوث النووي الذي يضم قاذفات وصواريخ أرضية- كانت دائماً متمركزة لإطلاق صواريخ نووية على أهداف في روسيا.
ووفقاً لمجموعة مراقبة الأسلحة التابعة لمبادرة التهديد النووي، تمتلك الولايات المتحدة ما مجموعه 14 غواصة نووية من فئة «أوهايو»، كل منها قادرة على حمل ما يصل إلى 24 صاروخاً باليستياً من طراز «ترايدنت 2 دي 5»، القادرة على إطلاق رؤوس حربية نووية حرارية متعددة لمسافة تصل إلى 4600 ميل، ويتم نشر ما بين 8 إلى 10 غواصات من فئة «أوهايو» في أي وقت. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي قد تعهد، قبل وصوله إلى منصب الرئاسة، بإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكنه اليوم يفعل العكس ويسهم في تأجيج الصراع مع روسيا كي يصل إلى مستوى الحرب النووية، فإطلاق التهديدات بنشر غواصات نووية على مقربة من روسيا لا يمكن فهمه بأنه تصرف حسن يهدف إلى تقوية العلاقات معها، فحرب التصريحات قد تؤدي في النهاية إلى وقوع الكارثة.
كلا الجانبين بحاجة ماسة إلى خفض التصعيد وتغليب صوت العقل للحد من التحول إلى صراع فعلي بين دولتين نوويتين، قد يقضي ليس على البشر فقط، بل كوكب الأرض.
[email protected]