صفحة جديدة في العلاقات السورية – الروسية | افتتاحية الخليج

صفحة جديدة في العلاقات السورية – الروسية | افتتاحية الخليج

أكثر من ساعتين ونصف الساعة من المحادثات في الكرملين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري أحمد الشرع، يوم أمس الأول، أعادت المياه إلى مجاريها بعد أن شهدت بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حالة من الغموض، خصوصاً ما يتعلق بمصير الرئيس السابق الذي استقبلته موسكو لأسباب «إنسانية»، ثم مصير قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، إضافة إلى مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين البلدين، بعدما أرخى الماضي بذيوله، حيث تدخلت موسكو عسكرياً عام 2015 إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة المسلحة التي كان الشرع يقودها بنفسه.
لذلك جاءت زيارة الشرع إلى موسكو لتكتب مرحلة جديدة في العلاقات السورية- الروسية، وتنقل التحالف التاريخي بين البلدين من حالة الغموض إلى حالة الوضوح في إطار سعي القيادة السورية الجديدة إلى إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية بما يلائم المصلحة السورية.
بدا الرئيس الشرع مرتاحاً للزيارة، إذ مازح الرئيس بوتين لدى دخوله قاعة الاجتماع في الكرملين قائلاً: «لديكم درج طويل، ومن الجيد أننا نمارس بعضاً من الرياضة، ونستطيع أن نأتي هنا من دون تعب»، وأظهرت لقطات للرئيس السوري وهو يصعد درجات بهو الكرملين، وقد خلع معطفه في منتصف المسافة.
إن طول مدة المحادثات بين الشرع وبوتين يعني أن ملفات وقضايا عديدة كانت قيد البحث، وقد تم ترتيب الزيارة على أساس نجاحها، وهي تأتي تتويجاً لمباحثات كان أجراها وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني في موسكو خلال شهر يوليو/تموز الماضي، والتقى خلالها نظيره الروسي لافروف، والرئيس بوتين، حيث أكد الشيباني «التزام سوريا بتصحيح العلاقات مع روسيا على أسس جديدة تراعي مصالح الشعب السوري وتفتح آفاق شراكة متوازنة»، فيما وصفت وزارة الإعلام السورية لقاء الشيباني بالرئيس بوتين ب«اللقاء التاريخي»، حيث شدد الرئيس الروسي على «رفض بلاده القاطع لأي تدخلات إسرائيلية، أو محاولات تقسيم سوريا»، وأكد «التزام موسكو بدعم سوريا في إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار».
إذاً، كانت الأرضية مهيأة لزيارة الرئيس الشرع ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وسبل تطوير التعاون بين البلدين، وطي صفحة الماضي، وخصوصاً ما يتعلق بقاعدتي حميميم وطرطوس، والمطالبة بتسليم الرئيس السابق الموجود في موسكو، إضافة إلى إعادة تسليح الجيش السوري، وملفات اقتصادية تتعلق بإعادة الإعمار والاستثمار والطاقة والتزود بالقمح.
من الواضح أنه تم الاتفاق على الكثير من القضايا، لكن يبدو أن مسألة تسليم الرئيس الأسد تم تجميدها لأسباب «إنسانية» تتعلق بالموقف الروسي، في حين أكد الرئيس الشرع التزام سوريا بكل الاتفاقات السابقة مع روسيا، وهذا يعني الموافقة على بقاء القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، وكذلك توقيع عقود لتسليح الجيش السوري، مع التركيز على تعزيز قدراته في مجال الدفاع الجوي، وفي ملف الإعمار، ستشارك الشركات الروسية في إعادة إعمار البنى التحتية في سوريا، ودعم رفع العقوبات المفروضة على دمشق، لاسيما في مجلس الأمن، ومضي روسيا في تزويد سوريا بالقمح.
لم تكن زيارة الشرع إلى موسكو بروتوكولية، بل خطوة حاسمة في تحديد وجهة دمشق بين موسكو والغرب، وفي رسم ملامح مرحلة جديدة في السياسة السورية.