الإمارات داعمة آمال الشباب العربي الإفريقي وطموحاتهم | د. محمد سيف الجابري

د. محمد سيف الجابري*
احتضنت أوغندا من 6 إلى 10 أكتوبر/ تشرين الأول، أعمال مؤتمر «مجلس الشباب العربي الإفريقي 2025»، تحت رعاية الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وحمل شعار «تعزيز أصوات الشباب من أجل السلام والوحدة» وسط مشاركة موسعة لعدد من الرؤساء والوزراء والشخصيات السياسية والدينية والقيادات الشبابية من مختلف الدول العربية والإفريقية، ما يعكس إدراك النخب الحاكمة لأهمية منح الجيل الجديد مساحة حركة من أجل صياغة مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للدول العربية والإفريقية.
وانعقاد هذا المؤتمر نقطة تحول في مسار التعاون العربي الإفريقي، لا سيما في ضوء الأفكار والحلول والرؤى التي يمتلكها الشباب في كثير من الأزمات والتحديات التي تواجههم في بلدانهم.
كما يؤكد أن الاستثمار في هذه الطاقات الشبابية التي باتت أكبر قوة ديموغرافية في العالمين العربي والأفريقي يسهم في تشكيل مستقبل واعد للمنطقتين، كما يؤدي دوراً بارزاً في تحقيق السلام والوحدة وبخاصة في إفريقيا التي تعاني تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تنعكس سلباً على الشباب الذين يمثلون قطاعاً عريضاً في القارة، في ضوء تصاعد الحركات الاحتجاجية للجيل «Z» في بعض الدول الإفريقية مثل مدغشقر وكينيا.
وهو ما أكده الرئيس موسيفيني، خلال افتتاح أعمال المؤتمر، أن الشباب يمثلون أكثر من نصف سكان إفريقيا والعالم العربي وتجاهل طاقاتهم أو تهميش أصواتهم، قد يشكل تهديداً لمستقبل الاستقرار، بما يعزز أهمية الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا وخلق بيئة داعمة لريادة الأعمال، من أجل توظيف طاقات الشباب بما يخدم التنمية والسلام.
كانت المشاركة في المؤتمر لافتة ومنحت الحدث ثقلاً سياسيّاً وروحيّاً، حيث شارك عدد من الوزراء وممثلي الشباب والرياضة من دول إفريقية وعربية وشخصيات دينية وثقافية. كما برز الحضور اللافت للمرأة في المؤتمر دلالةً على الاهتمام بمعالجة التحديات التي تواجه الجنسين، كما نوقشت قضايا تتعلق بتمكينها في صنع القرار ودورها في بناء مجتمعات أكثر شمولية وطرحت قيادات نسائية بعض المقترحات العملية الداعمة لتوسيع فرص التعليم والتمويل للمشروعات التي تقودها المرأة.
وقد ناقش المجتمعون، عدداً من الموضوعات الاستراتيجية التي ترتبط مباشرة بقضايا الشباب ومستقبلهم، حيث اشتملت على محاور مهمة من أبرزها: بناء السلام وعلاقته بدور الشباب في الوساطة المجتمعية ومكافحة الإرهاب والتطرف وتحويلهم إلى قوة داعمة للاستقرار.
كما تطرقت الجلسات إلى ريادة الأعمال وهي من أبرز المجالات التي تعمل بها قطاعات عريضة من الشباب، حيث بحث المشاركون سبل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يقودها الشباب وتأكيد أهمية التمويل المبتكر والحاضنات في تحفيز الاقتصاد الوطني. واستعرضوا نماذج مبشرة لشباب تمكنوا من تحويل أفكار خفيفة وتطويرها إلى مشروعات أكبر.
وفي ضوء الحرص على تعزيز أواصر التبادل الثقافي بين الشباب في إفريقيا والعالم العربي، ناقش المؤتمر أهمية الثقافة والفنون، بوصفها جسراً للتواصل بين الشعوب ودورها في ترسيخ قيم التسامح والانفتاح، دلل على ذلك بعض العروض الفنية والموسيقية التي تعكس التنوع الغني للعالمين العربي والإفريقي.
كما أضاءت الجلسات على التحول الرقمي، وفرص الثورة التكنولوجية الحديثة في خلق حلول للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أكدت ضرورة تمكين الشباب من المهارات الرقمية، وإدماجهم في اقتصاد المعرفة لتعزيز قدرتهم التنافسية عالميّاً.
وفي إطار حرص دولة الإمارات على فتح آفاق جديدة من الفرص أمام الشباب، في تمكينهم وتنمية مجتمعاتهم، جاء الحضور الإماراتي المتميز في فعاليات المؤتمر، للدكتور سلطان النيادي، وزير الدولة لشؤون الشباب، نيابة عن صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ليعكس مدى عمق العلاقات الإماراتية الإفريقية عموماً ومع أوغندا خصوصاً، لا سيما ما يتعلق بالقضايا الحيوية التي تمسّ تمكين الشباب.
وقد عبر الدكتور النيادي، عن رؤية دولة الإمارات التي تؤكد أهمية تمكين الشباب ودعم مشاركتهم الفاعلة في جهود التنمية.
ومن أبرز مخرجات هذا المؤتمر، إعلان تأسيس مقر دائم للمؤتمر العربي الإفريقي في العاصمة الأوغندية كمبالا، ليكون منصة دائمة للحوار والتواصل بين الشباب العربي والإفريقي، لما له من دور بارز في تعزيز التواصل، عبر انعقاد المؤتمرات والدورات التدريبية والمراكز البحثية، بما يهدف إلى تعزيز الابتكار وتعميق التعاون بين الأجيال الجديدة في أفريقيا والعالم العربي.
وفي النهاية، خلصت أعمال المؤتمر إلى عدد من التوصيات المهمة التي تعكس الاهتمام العربي الإفريقي بأهمية تعزيز التعاون من أجل مستقبل أكثر إشراقاً للشباب، لا سيما أن البيان الختامي شدد على ضرورة تحويل هذه التوصيات إلى خطط عمل ملموسة بإشراف الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، مع المتابعة الدورية لضمان تحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية.
وتضمنت أبرز هذه التوصيات إنشاء مجلس شبابي عربي إفريقي استشاري يعمل جسراً بين الحكومات والجيل والجديد ووضع برامج تدريبية مشتركة في السلام وريادة الأعمال والتحول الرقمي وتعزيز التعاون الأكاديمي عبر تبادل المنح الدراسية بين الجامعات العربية والإفريقية وإطلاق منصات إعلامية شبابية مستقلة لمواجهة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة الحوار.
* خبير متخصص في الشؤون الإفريقية