في وقت يزداد فيه التصعيد الإعلامي بين أمريكا وإيران، يعود شبح الحرب مجددًا ليخيم على المنطقة، لا سيما بعد تهديد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتوجيه ضربة عسكرية لطهران إذا استمرت في تخصيب اليورانيوم.
وأعاد هذا المشهد إلى الأذهان سياسة الردع الأمريكي، التي تعتمد على التهديد في كثير من الأحيان، لدفع الطرف الآخر إلى تقديم مزيد من التنازلات، لكن هذه المرة، جاء رد الفعل الإيراني مفاجئًا، إذ اعترفت طهران، على غير عادتها، بتكبدها خسائر فادحة نتيجة الضربة الأمريكية، التي استهدفت منشآتها النووية، خاصة “منشأة فوردو”، ما فتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول مدى جاهزيتها لمواجهة مقبلة.
ورغم التوتر القائم بين واشنطن وطهران، إلا أن الأخيرة تتحرك بخطى متسارعة نحو الشرق، حيث الصين وروسيا، على أمل تقوية موقفها الدبلوماسي، في ظل تنامي الحديث الأوروبي عن إعادة تفعيل آلية العودة السريعة للعقوبات (سناب باك)، ولكن يبقى السؤال الشاغل، هل تنجح طهران في تفكيك طوق الحصار المفروض عليها؟ أم أن المنطقة على موعد مع حرب جديدة قد تتجاوز في خطورتها كل ما سبق؟.
ضربة موجعة وتخصيب لا يتوقف
وفي غضون ذلك، خرج وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في حوار مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، ليقولها علنًا لأول مرة منذ وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب في 24 يونيو الماضي.
وقال: “الضربة الأمريكية عطلت عمليًا كل أنشطة التخصيب في المنشآت المستهدفة”، إلا أنه شدد في المقابل على أن بلاده لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم، بل وستتحمل الثمن مهما كان باهظًا.

من جهته، أكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، اليوم الأربعاء، أن الحديث عن إنهاء البرنامج النووي الإيراني “وهم”، مشددًا على أن القدرات النووية الإيرانية تكمن في عقول علمائها وليس في المنشآت وحدها، وفقًا لما نقلته وكالة “إرنا” الإيرانية.
وقال بزشكيان، في رسالة شديدة اللهجة: “نحن مستعدون لأي عمل عسكري إسرائيلي، قواتنا جاهزة لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد”، مؤكدًا أن المفاوضات المستقبلية يجب أن تُبنى على مبدأ الربح المتبادل، مشيرًا إلى أن بلاده لن تقبل شروطًا إحادية الجانب تتعلق ببرنامجها النووي.
حرب على شفا الانفجار
أما رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، فقال في تصريحات إعلامية، إنه “لا فرصة للسلام مع النظام الحالي في إيران”، حتى لو اقتضى الأمر أن تدخل الحرب مع إيران منفردة، وهو ما أكده المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الإيرانية، علي عاطف، خلال حديثه لـ”تليجراف مصر”.
وأضاف عاطف: “أن التطورات الراهنة تشير بوضوح إلى أننا نقترب من سيناريو مواجهة عسكرية مفتوحة بين إيران وإسرائيل، قد تنفجر في أي لحظة، خاصة في ظل تمسك طهران بخيار الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بوتيرة متسارعة، متحدية بذلك التحذيرات الغربية والأمريكية على حد سواء”.
تهديدات تحمل في طياتها عملية عسكرية مرتقبة
فيما يتعلق باستراتيجية الردع الأمريكي المعتمد على التهديدات، أوضح المحلل السياسي في الشؤون الإيرانية، أن تهديدات أمريكا وإسرائيل هذه المرة لا يمكن التعامل معها باعتبارها مجرد ورقة ضغط سياسية تستخدم لتقديم مزيد من التنازلات.
وزاد بأنها تبدو في كثير من جوانبها مقدمة حقيقية لعمل عسكري محتمل، في حال واصلت إيران تجاهل دعوات العودة إلى طاولة المفاوضات أو أقدمت على خطوات نوعية تقربها من امتلاك السلاح النووي بشكل كامل.
وأشار إلى أن واشنطن تحتفظ بخط ثابت تجاه البرنامج النووي الإيراني، وترى فيه تهديدًا مباشرًا لحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل، التي لا تخفي استعدادها للتحرك العسكري منفردة إذا اقتضى الأمر.
وذكر أن التنسيق الأمني بين واشنطن وتل أبيب في هذا الملف بلغ مراحل متقدمة، ما يعزز احتمالات توجيه ضربة عسكرية إذا استمر الجمود السياسي والدبلوماسي.
الدرع الشرقي.. واستراتيجية المسافة الآمنة
وقال عاطف: “إن التحركات الإيرانية باتجاه الشرق، عبر تعميق العلاقات مع الصين وروسيا، قد تمنح طهران هامش مناورة أوسع، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ كل من موسكو وبكين بـ“مسافة آمنة” تجنبها التدخل العسكري بشكل مباشر في أي حرب مقبلة”.
واستطرد: “هذا الأمر يضع المنطقة بأسرها على شفا مرحلة شديدة الحساسية، عنوانها” التصعيد بلا خطوط حمراء”، وهو ما أكده مرارًا الكاتب والخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد عبادي، لـ“تليجراف مصر”.

ورأى عبادي أن التهديد الأمريكي لم يكن عشوائيًا، موضحًا: “أنه بالرغم من وجود اتفاقيات استراتيجية تربط موسكو وبكين بطهران، إلا أن الاعتماد عليهما بشكل كامل يعد رهانًا غير مضمون”.
واختتم الخبير بالشؤون الإيرانية تصريحاته قائلًا:” روسيا والصين لن يخوضا حروبًا نيابة عن إيران، ومن الممكن أن يقدما دعمًا اقتصاديًا أو تسليحًا محدودًا، لكن لن تتجاوزا ذلك، لا سيما في ظل انشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا، والصين بمواجهة تحدياتها التجارية والاقتصادية، خاصة ملف التعريفات الجمركية”.