كشفت تقارير حديثة، أن البنك المركزي الصيني يواصل شراء الذهب بشكل مستمر منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وسط مؤشرات متزايدة على أن بكين قد تواصل شراء المعدن النفيس بسرية خلال الفترة المقبلة.
وبحسب المحلل الاقتصادي في مؤسسة “موني ميتالز”، يان نيوينهايس، تسارعت وتيرة مشتريات الذهب الصينية منذ عام 2022 عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بعدما جمدت الدول الغربية احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية المقومة بالدولار واليورو.
ووصف نيوينهايس، هذه الخطوة بـ”تسليح الدولار”، معتبرًا أنها دفعت العديد من البنوك المركزية، بما فيها بنك الشعب الصيني، إلى تكثيف مشتريات الذهب بشكل قياسي لتقليل تعرضها للعملة الأمريكية.
مشتريات ضخمة
ووفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، اشترى بنك الشعب الصيني 62 طنًا من الذهب في شهري نوفمبر وديسمبر 2022، ما رفع احتياطياته إلى أكثر من 2000 طن لأول مرة.
وفي عام 2023، أصبح البنك أكبر مشترٍ للذهب بين البنوك المركزية بإجمالي مشتريات بلغت 225 طنًا، ليرتفع إجمالي احتياطياته إلى 2,235 طنًا.
وخلال عام 2024، اشترى البنك 44 طنًا من الذهب، منها 29 طنًا بين يناير وأبريل، قبل أن يتوقف الإعلان عن المشتريات حتى نوفمبر، ليبلغ إجمالي الاحتياطيات المعلنة 2,280 طنًا بنهاية العام، وهو ما يمثل نحو 5% من إجمالي الاحتياطيات الدولية للصين.
وفي يونيو 2025، ارتفعت الاحتياطيات للشهر الثامن على التوالي، بإضافة طنين جديدين لتصل إلى 2,299 طنًا.
هل تخفي الصين حجم مشترياتها الحقيقي؟
رغم الأرقام الرسمية، يشكك محللون في أن هذه الأرقام تمثل الحجم الحقيقي لمشتريات الصين. ويعتقد نيوينهايس أن الاحتياطي الفعلي قد يصل إلى 5,065 طنًا بنهاية 2024، مستندًا إلى تقديرات لمشتريات غير معلنة كشف عنها مجلس الذهب العالمي ضمن بياناته الفصلية.
وأشار إلى أن صادرات الذهب المباشرة من المملكة المتحدة إلى الصين غالبًا ما تعكس نشاط البنك المركزي، خاصة في أوقات انخفاض سعر الذهب في بورصة شنغهاي مقارنة بسعره في لندن، ما ينفي وجود دوافع تجارية للقطاع الخاص للاستيراد.
دوافع شراء الذهب
يرى خبراء، من بينهم بارت ميليك، رئيس استراتيجية السلع في TD Securities، أن الصين تعتمد على الذهب كأداة استراتيجية لتنويع احتياطياتها النقدية التي تبلغ 3.3 تريليون دولار، إذ لا يمثل الذهب سوى 6.7% منها.
ويهدف هذا التنويع إلى حماية الاحتياطيات من تآكل القوة الشرائية للدولار الأمريكي، خاصة في ظل ارتفاع الديون الأمريكية إلى مستويات قد تصبح غير قابلة للاستدامة.
وأؤكد المحللون أن الدوافع الصينية لا تقتصر على التنويع، بل تشمل أيضًا حماية الاحتياطيات من العقوبات المحتملة، وتقليل الاعتماد على الدولار في ظل تراجع التجارة مع الولايات المتحدة.
الأصل الآمن في مواجهة المخاطر
وأشار خبراء الذهب إلى أن المعدن الأصفر يتميز بخصائص فريدة، منها عدم وجود “مخاطرة الطرف المقابل”، وكونه وسيلة تحوط ضد التضخم. وتبلغ نسبة الذهب حاليًا 20% من احتياطيات البنوك المركزية العالمية، وهي النسبة الأعلى منذ اتفاق “بريتون وودز” عام 1944، الذي أسس نظامًا نقديًا عالميًا قائمًا على الدولار المدعوم بالذهب.
وذكر نيوينهايس أن الذهب هو “الأصل الوحيد القادر على أن يحل محل الدولار كأصل احتياطي عالمي رئيسي”، نظرًا لسيولته العالية واستخدامه التاريخي كملاذ آمن.
توقعات سعر الذهب
ورغم الطلب القوي على الذهب، لم تسجل أسعاره مستويات قياسية جديدة بعد، إذ بلغ أعلى مستوى للعقود الآجلة 3,509.90 دولار للأونصة في 22 أبريل الماضي.
ويعتقد محللو “موني ميتالز”، أن تأجيل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة كان “فرصة لالتقاط الأنفاس” للذهب، لكنهم يتوقعون ارتفاعًا جديدًا قريبًا في حال تبنى الفيدرالي سياسة نقدية أكثر تيسيرًا أو شهدت الأسواق المالية تراجعات حادة.
وأكد المحلل الاقتصادي جليسون، أن “أيام جيروم باول على رأس الاحتياطي الفيدرالي قد تكون معدودة، ومعها موقفه الرافض لخفض الفائدة”، مشيرًا إلى أن هذا قد يدعم صعود أسعار الذهب مجددًا خلال الأشهر المقبلة.