منوعات

كتالوج.. دراما الشخصيات القلقة “مية مية كانت هتفرق في الوداع” (مراجعة نقدية)


بمجرد طرح البرومو التشويقي له عبر منصة “نتفليكس”، وضعتُ مسلسل كتالوج المكون من ثماني حلقات ضمن ما أنتظر تذكيري به عند البدء في عرضه، فالموضوع واضح، وقد تظنه محروقًا حين تعرف أنه لأب يجد نفسه فجأة في مواجهة مع طفليه بعد وفاة زوجته ليبدأ معهما حياة جديدة مليئة بالتحديات والمطبات الصعبة.

كيف تصنع مسلسلًا تربويًا دون خلطة “محمد صبحي”؟

لكن السيناريو “الرايق” لأيمن وتار، أظنه وضع على الطريق الصحيح بقيادة مخرج موهوب هو وليد الحلفاوي في فيلمه الثالث، لنجد كاست مميزا تم اختياره بعناية حتى لتظن أنك لن تصدق شخصًا آخر لو استبدلت هؤلاء الممثلين بآخرين، وساعد أداء فراج “السهل الممتنع” مع خبرة وونس “ريهام عبد الغفور”، وإخلاص باقي فريق العمل من الممثلين الرائعين، في صناعة مسلسل لم يجنح من صناعه ليتحول لوعظ وسرديات وجمل خطابية، ولم يكن نسخة عصرية من “يوميات ونيس” للفنان الكبير محمد صبحي.

التربية بطل وفراج أب يشبهك وريهام عبد الغفور “ونس” الحلقات

شخصيات (كتالوج) كلها تشبهنا، شخصيات قلقة في عالم قلق غير مضمون العواقب، والبداية من يوسف (فراج) الذي يبحث مع زوجته أمينة (ريهام عبد الغفور) عن مدفن، لأنه قلق من حدوث شيء لها هي وطفليه إذا مات فجأة، لكن الأم هي التي تموت، ليجد الأب نفسه أمام طفليه اللذين يتعرف عليهما من جديد، ويبدو ممثلًا لشريحة كبيرة من الأباء تشبه الكثيرين منا في انشغالهم عن تربية أبنائهم والتركيز في “الشغل”، مواقف نعرفها جميعًا، ومسئولية كانت ملقاة على أم واحدة عابها في السيناريو ظهورها بشكل مثالي، وتصبح المسئولية على عاتق أب ينسى عيد ميلاد ابنته ولا يعرف شيئا عن حساسية ابنه من الكاتشب، ويتورط في جروبات الماميز من أجل مسئوليته وتربية لا يعرف عنها أي شيء، وقد عاش تجربة فقد الأم هو الآخر ليربيه أخاه الأكبر حنفي (خالد كمال)، والذي ينصحه بأن “يضبش” إلى أن يتعلم كيف يربي.

ويجد الأب ضالته في فيديوهات زوجته عبر قناتها على يوتيوب، والتي لم يكن يشاهدها، ليكتشف طريقتها في التربية، ويتواصل معها من جديد عبر هذه الفيديوهات التي يعرف منها كم كان مقصرًا ليس في حق أبنائه فقط بل في حق زوجته الراحلة.

خالد كمال وسماح أنور أكبر الرابحين.. وبيومي قبطان كما لم تشاهده من قبل

ستلح عليك وأنت تشاهد الحلقات الأربعة الأولى قصيدة مصطفى إبراهيم الشهيرة التي يبدأها بـ “لو كنت بس ساعتها عارف إن دي اللحظة الأخيرة .. مية مية كانت هتفرق في الوداع”، وعبر هذه التنويعة نرى الشخصيات القلقة في المسلسل، الطفلان اللذان يكبران ويطاردان أحلامهما ويعيشان بصعوبة بعد وفاة أمهما، المربية التي هي من زمن (الدادا) لكنها تتواصل مع الطفلين أفضل من والدهما (أدت دورها باقتدار وتميز سماح أنور)، القبطان الذي لا يخرج من شقته خوفًا من الفيروسات والميكروبات لكنه يعرف ويتابع بل ويحتفظ بالعديد من الأسرار، ولعب دوره بيومي فؤاد كما لم تره من قبل، ثم لديك شخصيات قلقة أخرى تعرفها وتقابلها يوميًا، الشاب الذي يريد أن يسافر ويحصل على الجنسية بزواج من أجنبية (أحمد عصام السيد)، والأخ الأكبر الذي ترك حلمه في كرة القدم وعمل مدربًا ليربي أخيه الصغير (خالد كمال في أداء بديع وممتع)، لكنه في الوقت ذاته يربي ابن أخيه ويحاول أن يحقق فيه الحلم الذي لم يحققه، حتى المُدرّسة التي تتفاعل مع وفاة أم طلابها بعد زيجة فاشلة فتسقط في غرام الأب (تارا عماد)، كلها شخصيات قلقة عابها الإطار الذي وضعت فيه، إطار الطبقة المتوسطة العليا التي تعيش في (إيجبت) ربما ظنًا في أن هذه الصورة تناسب نتفليكس منتجة المسلسل، لكنها في النهاية تعبر عن مشاعر تشبه أغلب سكان (مصر) الذن نعرفهم ونقابلهم، وعبر فيديوهات الأم المتوفاة سنخوض رحلة التربية بدون تجميلها بلفظ (الإيجابية)، وبدون ادعاء حتى ليبرز التناقض صارخًا بين الأم صاحبة الرسالة، وبين إحدى مقلداتها من الأمهات بعد وفاتها على طريقة سرقة المحتوى لصناعة (فولورز).

وسط كل ذلك كانت مشكلتي مع الدراما لو جاز التعبير أنها دراما (بالعرض). مواقف مغزولة بعناية صحيح، لكن التصاعد كان بطيئًا في الحلقات الأولى، حتى لتشهر إن المسلسل كان يمكن أن تختصر منه حلقة أو حلقتان، لكن براعة الممثلين، وشطارة المخرج، و”روقان” السيناريو بجمله المميزة أزالت هذا الشعور، ليقدم الجميع مسلسلًا لو كان بيدي لصنعت منه (مشروعًا مستمرًا) لأن قماشته لازال فيها ما يمكن استغلاله وتطويره، لكن الأهم أنه يقدم (كتالوج) حقيقي لتربية (بلا كتالوج) كما جاء عنوان الحلقة الأخيرة.

علي البيلي وريتال عبد العزيز.. مخزون مصر الاستراتيجي للموهبة

أداء الممثلين كان مميزًا، لكن أكثر الرابحين من وجهة نظري هما (حنفي) بكل أبعاد شخصيته التي بنيت بعناية وزادها تألقًا تشخيص خالد كمال، وأم هاشم الناني المعادل للجدة التي افتقدها العمل لكنها ظهرت في تشخيص رائع لسماح أنور، أما الطفلان علي البيلي وريتال عبد العزيز فهما ذخيرة حقيقية لقوة مصر الناعمة، وفيهما من البراءة والشطارة ما يجعلك تصدقهما، وما يجعلنا ننادي برعايتهما، فمثلهما، سقط مع مرور الوقت في اختبارات الشهرة وتيك توك، ولا أريد لمواهب حقيقية مثلهما أن تسقط.

أحمد عصام السيد ودنيا سامي ثنائية نمطية وأداء غير نمطي بالمرة.

قد نظلم دنيا سامي وصدقي صخر إذا لم نذكرهما، وها قد ذكرناهما!! لكننا أيضًا نظلم ضيوف الشرف لو تجاهلنا وجودهم الفارق بدءًا من عمرو يوسف، النموذج المضاد لشخصية محمد فراج، حيث يحضر التدريب مع ابنه رغم إن زوجته لم تتوفى ولم ينفصلا !! وحنان مطاوع، وأمينة خليل، ومحمد محمود عبد العزيز الذي تحدث عن والده محمود عبد العزيز، وأخيرًا الكابتن محمود الخطيب في ظهور استثنائي.

هذا المسلسل نموذج ناعم وهادئ لمعالجة موضوع التربية التي نحلم أن نتعلم كتالوجها حتى لو لم يوجد سوى في فيديوهات أم راحلة، وهو فرصة جديدة للدراما للحديث عن الفقد والتخطي ومواصلة الحياة بعيدًا عن النسيان الذي لن يحدث أبدًا. واسألوا مخرج العمل في إهدائه الأخير لوالده الراحل الكبير (نبيل الحلفاوي).



السابق
اتفاق شبه نهائي بين نابولي وغلطة سراي بشأن أوسيمين
التالي
أول تعليق من نيبان بعد التوقيع مع مانشستر سيتي