لا يزال فوز النائب التقدمي زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية على منصب عمدة نيويورك، قبل نحو ثلاثة أسابيع، يحمل الكثير من الأصداء في المشهد السياسي الأمريكي، خصوصًا أن هذا الشاب الذي يمثل الحزب الجمهوري مسلم وله آراء مناهضة لإسرائيل التي تخوض حرب إبادة على الفلسطينيين في قطاع غزة.
زهران ممداني يحقق فوزًا تاريخيًا
في يونيو الماضي قلب زهران ممداني موازين السياسة في نيويورك، بعد أن حقق فوزًا تاريخيًا في الانتخابات التمهيدية على منصب عمدة المدينة، متقدمًا على الحاكم السابق أندرو كومو بفارق 7%، وستحسم الشهور المقبلة من سيجلس على كرسي عمدة المدينة التي تسكنها أغلبية يهودية، في الانتخابات التي ستجرى في مطلع نوفمبر المقبل.
والفوز الأخير لممداني في الانتخابات التمهيدية لم يكن مجرد انتصار انتخابي، بل لحظة رمزية عميقة تمثّل صعود صوت جديد من قلب الأحياء الشعبية، صوت نشأ بين المهاجرين، وحمل همومهم، وجعل من النضال من أجل العدالة الاجتماعية جوهر مشروعه السياسي.
ممداني، المعروف بقربه من الناس وبصوته الواضح في مواجهة الجشع العقاري والعنصرية المؤسسية، لم يصل إلى هذه اللحظة بسهولة، فقد واجه منذ إعلان فوزه هجومًا قاسيًا من جهات وجماعات ضغط، لا سيما اليهود الذين يشكلون أكبر فئة في نيويورك، حاولت النيل من شرعيته وتشويه صورته بسبب مواقفه المبدئية، خصوصًا دعمه العلني لحقوق الفلسطينيين، لكن رغم الضغوط، يظل ممداني نموذجًا لجيل جديد يؤمن بأن السياسة يجب أن تكون امتدادًا لحياة الناس، لا انعكاسًا لمصالح الأقوياء.
نبذه عن ممداني
هذا الشاب ذو الأصول الإسلامية، وُلد في أوغندا لأب أكاديمي وأم مخرجة سينمائية، وانتقل إلى نيويورك في طفولته، حيث نشأ بين المهاجرين وكرّس جهوده لقضايا الإسكان والعدالة الاجتماعية، في حين انتُخب في 2021 عضوًا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، ليصبح أول أوغندي وثالث مسلم يشغل المنصب، بحسب “الجارديان” البريطانية.
حملة غير تقليدية تتحدث بلسان الناس
تميزت حملته الانتخابية برسائل بلغات متعددة، وبخطاب جذاب للمهاجرين والشباب، وتلقّى دعمًا شعبيًا واسعًا، حيث إنه وعد بتحويل نيويورك إلى مدينة أكثر عدالة وتكافؤًا، من خلال جعل خدمة الحافلات مجانية في جميع الأحياء، وتجميد الإيجارات ومحاسبة أصحاب العقارات المهملين، وبناء متاجر بقالة مملوكة للبلدية لتوفير الغذاء بأسعار معقولة، وتوفير رعاية أطفال شاملة من عمر 6 أسابيع حتى 5 سنوات، ومضاعفة إنتاج المساكن منخفضة الإيجار بالتعاون مع النقابات، وإصلاح شامل لمكتب العمدة لجعل السكن أولوية دائمة.
وفي إحدى الفعاليات، قال ممداني: “في مدينة ينام فيها نصف مليون طفل جائعًا، لا يمكننا أن نعيش في وهم النمو الاقتصادي. إنها مدينة على وشك فقدان روحها”.
وبحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي، تلقى ممداني دعمًا ماليًا من أكثر من 20 ألف فرد، وبلغت قيمة التبرعات نحو 1.7 مليون دولار، وفي المقابل، تلقّى كومو أكثر من 4 ملايين دولار من نحو 5700 متبرع، إضافة إلى دعم سياسي من بيل كلينتون، ومايكل بلومبرج، والمؤسسة الحزبية الوسطية.
موقفه من إسرائيل
وركز الإعلام الإسرائيلي، خاصة صحيفة “يديعوت أحرنوت”، على مواقف ممداني من إسرائيل، إذ يُعد من أبرز المنتقدين لسياساتها، ويدعو إلى إنهاء الإعفاءات الضريبية للجمعيات المؤيدة للمستوطنات.
كما أنه وصف إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري ترتكب إبادة جماعية في غزة”، مطالبًا باعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
تهديدات بالاغتيال وحملات لإسقاطة
ولم تحظَ حملة ممداني بدعم صحيفة “نيويورك تايمز”، التي اعتبرت برنامجه الانتخابي “طوباويًا”، ومفتقرًا إلى الواقعية، محذرة من أن تجميد الإيجارات سيؤدي إلى تقليص المعروض السكني، كما وصف كومو منافسه بأنه “اشتراكي متطرف غير مجرّب”، وقال: “الخبرة مطلوبة عندما تكون مسؤولًا عن إدارة مدينة بميزانية 115 مليار دولار و300 ألف موظف”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بعد فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك، واجه المرشح التقدمي المسلم زهران ممداني حملة شرسة من كبار رجال الأعمال في المدينة، الذين يسعون لإنفاق أكثر من 100 مليون دولار عبر جماعات مستقلة لعرقلته، في ما وصفه البعض بـ”المعركة الأخيرة” لمنع صعود اليسار.
ولكن بالرغم من ذلك، أشارت صحيفة “فايننشيال تايمز” إلى أن ممداني استطاع بحنكته استمالة بعض رجال الأعمال اللذين انتقدوه.
وأطلقت مجموعة جديدة تُدعى “نيويوركيون من أجل مستقبل أفضل عمدة لـ 2025” حملة ضد ممداني، بدعم من شخصيات مثل جيمي ديمون وبيل أكمان، حيث وصفه الأول بأنه “أقرب إلى الماركسية”، والثاني دعم العمدة الحالي إريك آدامز ضده.
وتأتي هذه الحملة وسط قلق من برنامجه التقدمي ومواقفه المناصرة للفلسطينيين، خصوصًا في مدينة تضم أكبر عدد من اليهود خارج إسرائيل.
وتعرض ممدانى لتهديدات بالقتل، وسط حملات وصفته بـ”الإرهابي” و”المتعاطف مع حماس”، في سياق تعبئة منظمة من شخصيات جمهورية بارزة وناشطين على الإنترنت، وفقًا لـ“الجارديان”.
وادعت الناشطة اليمينية المتطرفة – بحسب الصحيفة البريطانية – لورا لومر، أن حادثة 11 سبتمبر 2001 ستحدث قريبًا في نيويورك، إذا تولى ممداني المنصب، بينما وصفته عضو مجلس المدينة فيكي بالادينو بـ”إرهابي معروف” وطالبت بترحيله، رغم جنسيته الأمريكية.
ترامب يهاجم ممداني
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب هاجم ممداني، واصفًا إياه بأنه “شيوعي ومتطرف”، مهددًا بحجب التمويل الفيدرالي عن الولاية إذا أصبح عمدة لمدينة نيويورك، ولم يتصرف بالشكل الصحيح.