«تتبعت الجثث أثره في كل مكان».. انتحار جندي إسرائيلي شارك في القتال في غزة ولبنان

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية الأحد، عن انتحار الجندي في جيش الإسرائيلي«دانيال إدري» بعد أن أقدم على إحراق نفسه داخل سيارة في منطقة أحراش قرب مدينة صفد، شمالي إسرائيل، وذلك نتيجة معاناة نفسية طويلة عاشها عقب مشاركته في الحرب على قطاع غزة وجنوب لبنان.
ووفق ما ذكرت والدته سيغال لموقع «والا» الإسرائيلي، فإن إدري كان يعاني صدمات نفسية حادة منذ عودته من ساحات القتال، وقال لها ذات مرة: «أمي، أنا أشم رائحة الجثث وأراها طوال الوقت»، في إشارة إلى تأثير نقله لجثامين جنود الاحتلال خلال الحرب، وهو ما تكرر عدة مرات.
وأضافت والدته أن حالته النفسية تدهورت بشكل متسارع في الأسابيع الأخيرة، وأنه حاول الحصول على دعم نفسي، لكنه كان يتعرض لنوبات غضب شديدة خلال بعض الأيام، وصلت إلى حد تحطيم أثاث شقته بالكامل.
وشعر دانيال، الذي بلغ الرابعة والعشرين من عمره الشهر الماضي، بصدمة بالغة لمقتل صديقَي طفولته في مهرجان نوفا الموسيقي – إليساف بن بورات وغابرييل يشاي باريل. وتقول عائلة إدري إن وفاتهما سببت له ألماً مستمراً.
وكان إدري الثالث من بين أربعة أشقاء، وفقد والده في سن مبكرة. تحث والدته الدولة على تكريم ابنها بجنازة عسكرية. حتى الآن، لم تتم الموافقة على طلبها، وقالت إن إدري كان يرغب في التجنيد، وعندما استُدعي للخدمة الاحتياطية، شعر بالرضا، وسُرّح من الجيش الإسرائيلي قبل نحو خمسة أشهر.
ووفقاً لسيغال، خدم إدري لفترات طويلة كجندي دعم قتالي في القطاعين الجنوبي والشمالي.
وبحسب سيغال فإن إدري كان يخشى أن يؤذي نفسه، ففي الأسبوع الماضي، طلب دخول مستشفى للأمراض النفسية. نصحه موظفو المستشفى بالانتظار، وأكدوا له أنه سيُنقل إلى دار رعاية قريباً.
وقالت والدته باكية: «كان الوقت ضده، ولم يعد يحتمل الألم»، مضيفة: «على الأقل في وفاته، سيجد الراحة والاحترام، وينال التكريم الذي يستحقه لتضحيته. إنه يستحق جنازة عسكرية».
الانتحار يؤرق صفوف الجيش
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية قد كشفت في نوفمبر الماضي أن 6 جنود إسرائيليين على الأقل انتحروا خلال الأشهر الأخيرة، في تقرير أعدته عن «الوضع النفسي الهش للجنود الذين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة بسبب الحرب في غزة ولبنان».
وذكرت في تقريرها أن الجنود المنتحرين هم من الذين شاركوا لمدة طويلة في حربي غزة ولبنان، مشيرة إلى أن الرقم لا يعكس حقيقة ما يقع بشكل تفصيلي، بسبب رفض الجيش الإسرائيلي نشر العدد الكامل للجنود المنتحرين أو الذين حاولوا الانتحار.
وأوضح التقرير أن الانتحار يُعد ثاني أكثر أسباب الوفاة بين الجنود بعد النشاط العملياتي. ففي عامي 2023 و2024، تسبب النشاط العملياتي في سقوط 807 جنود، بواقع 512 في عام 2023 و295 في عام 2024. كما شهدت «العمليات العدائية» ارتفاعاً في عدد القتلى، إذ سجلت 11 حالة وفاة في عام 2024 مقارنة بـ4 حالات فقط في عام 2023.
وسجل التقرير 558 حالة وفاة بين الجنود في عام 2023، بينما انخفض العدد إلى 363 حالة في عام 2024. وتنوعت أسباب الوفيات بين النشاط العملياتي وحوادث الطرق المدنية والعسكرية وحالات الانتحار المشتبه بها، والأمراض، و«العمليات العدائية».
محاولات للاحتواء
في محاولة لاحتواء هذه الأزمة، أعلن الجيش الإسرائيلي سلسلة من الإجراءات لدعم الصحة النفسية للجنود، وتشمل هذه الإجراءات افتتاح خط دعم نفسي يعمل على مدار الساعة، وزيادة عدد ضباط الصحة النفسية وتوسيع خدماتهم، وإنشاء عيادة متخصصة للعلاج النفسي لجنود الخدمة النظامية، وتعزيز برامج بناء الصلابة النفسية أثناء النشاط العملياتي.
ونقلت تقارير صحفية عن مكتب إعادة الإدماج التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية أن حوالي 5200 جندي إسرائيلي أو 43% من الجرحى الذين يتم استقبالهم في مراكز إعادة التأهيل، يعانون الإجهاد اللاحق للصدمة، مع توقع أن يتم علاج حوالي 100 ألف شخص، نصفهم على الأقل يعاني اضطراب ما بعد الصدمة بحلول عام 2030، كما أن حوالي 15% من المقاتلين النظاميين الذين غادروا غزة وتم علاجهم عقلياً لم يتمكنوا من العودة إلى القتال بسبب الصعوبات التي يواجهونها.
وبدأ الجيش الإسرائيلي بتنفيذ نظام تحقيق شامل في كل حالة انتحار مشتبه بها، مع مراجعة دقيقة للظروف التي أدت إليها. كما تم إطلاق تدريبات خاصة للقادة تهدف إلى مساعدتهم في التعرف إلى علامات الضيق النفسي لدى الجنود، والعمل على تحسين بيئة الخدمة العسكرية لتقليل الضغوط النفسية.